الجمعة، ديسمبر 16، 2022

أحيانا أتسائل.. أيهما أكثر حقيقة من الآخر، أنا أم أنا؟

كل منهما يشير لطبقة رفيعة من روحي .. أحب كلاهما.. لكن ..

لماذا تفزع مني الكلمات كلما حاولت كتابتها؟ 

اقول لنفسي لأنني أعاند رغباتي الحقيقية.. ولأنني لا استطيع قول الحقيقة في وجوه من آذوني وتركوا ندوبا في روحي.. ولأنني لا أقوى علي مفارقة أبنائي .. ولأنني متقلبة المزاج حتى لو بدوت من الخارج ككرة من الثلج أو عامود مم الصلب .. فأنا وحدي من أكبح جماح تقلباتي .. فلا ذنب لأحد أن يتأرجح علي حواف أمزجتي الكثيرة المضطربة.. ادركت هذه الحكمة حين أنجبت نديم.. حكمة التحكم في الذات لأجل الآخر. 

أشتاق كثيرا أن اتصارع معه.. أن أصرخ في وجهه وأثور وأغضب وأترك له المكان لأي مكان.. اشتاق كثيرا كثيرا لأن تفلت أعصابي وأجن.. نعم أشتاق لأن أجن.. لأن أكون متهورة ومؤذية .. لأن أبتلع من أمامي بعواصفي الرعدية وبرقي المؤلم وأمطاري الجنونية.. لكنني ووسط كل هذه الفوضى التي تعتمل بداخلي.. أصبحت لا أقول إلا القليل.. ولا أظهر إلا القليل.. ويبدو أن حتى القليل لا يعجب شخصا بثلجيته.. هو اختبر ثوراتي من قبل.. كنت ابتلع مهدئات عصبية ومضادات اكتئاب بدون حساب لكنني بعد ذلك،  قطعت وعدا أن أبقي ما بيننا بيننا.. لكن هذا الأمر أصبح يفوق طاقتي.. وكأنني كل يوم من أيام حياتي أقول لنفسي: " أنا امرأة صالحة يجب أن أكون مثالية" المثير للشفقة أن ما أعتبره أنا مثالية أيضا لا يثير اعجابه.. وأخاطب نفسي مرة أخرى: " ماذا لو طاحت عفويتي بتماثيلي الرملية" لكن للأسف.. فات الأوان.. فات تماما !

إن كبح جماح حقيقتا لهو أمر محمود.. لكن يجب أن يكون هناك مساحة للجنون.. وأنا مساحتي الكتابة.. لكنها لم تعد تكفيني.. لم تعد تشبعني .. بل لم يعد شئ في الحياة يشبعني كأنني اريد أن ابتلع الكون في لقمة واحدة.. شراهة غير محسوبة العواقب لكل المخاطر .. 

كيف مضى العمر بكل هذه السرعة؟ 

سرعة! أي سرعة؟ ياللي من بغبغاء!

لقد دهسني دهسا.. لم يكن في الأمر سرعة علي الأطلاق.. بل كان العمر يتلذذ في كل لحظة بترك ندبة في مكان ما .. حتى فرغ جسدي فالتفت الى روحي.. وهنا أذكر الموت كثيرا.. أذكره كمن صعد سلالم المزلقة وها هو يستعد للتزحلق الى النهاية..

أؤجل النهاية.. لكنها حتمية.. وهنا تزداد كآبتي لأنني لم أفعل بعد ما عشت عمري كله أحلم به.. وهي أحلام تدغدغ الحواس كانبساط نهايات النساء .. أفعال تستثار بفعل رغبات عميقة بالمتعة الحسية.. والمتع الحسية .. متع تعذبني بالكامل..رائحة الهواء.. نجوم الصحاري .. العطور.. كلمات الغزل.. الأجساد العارية علي الرمال.. قبلات الأذن وملامسة الأقراط للعنق.. نظرات الليل التي تشع فيها عيوننا بريقا غريبا كنافذة تطل علي الروح مباشرة.. القصائد المكتوبة بخط اليد.. انسيابة حرف بعينه.. والرسائل.. يالعذاب قلبي من الرسائل! الرسائل الكثيرة.. الرسائل النصية القصيرة وسط زخم الحياة.. والرسائل الطويلة المكتوبة بعذوبة روائي ونعومة شاعر ودقة باحث.. تلك الرسائل التي نصنع لأجلها قدحا من الشاي ونجلس بمجاورة نافذة قبيل انبثاق الفجر..فنرى النور يتفتح هوينا منزلقا علي الزجاج  فتتفح أنفسنا مع كل حرف وكلمة وجملة وسطر وأسطر وأوراق.. تتفح وتنكب علي الورق فلا ندري ايهما يحمل الحقيقة كاملة نحن حين نتجسد في أجساد أم نحن حين نتجسد في كلمات؟ والكلمات لا تخلق إلا علي أعتبا شخص واحد فقط.. شخص واحد هو الذي يملك مفتاحا لصندوقنا السحري.. مفتاح لا يمكن أن نعيد استنساخه.. هي نسخة واحدة وقفل واحد.. وحين يتوه المفتاح نظل طوال حياتنا نلهث بحثا عنه.. ومن خبرتي في الحياة أنها مجرد رحلة للبحث عن هذا المفتاح! يالشقاء!

إنني وسط كل ما يثور في العالم من حروب وغلاء وهلع لا أتذكر إلا القليل .. ما يفجعني هو مشهد النهاية في فيلم Atonement  كلما تذكرته تثور نفسي ألما مع مشاهد أخرى من حياتي الواقعية.. كنت أرى في الماضي أن الحياة يجب أن نعيشها وسط مقطوعة .. كأننا فيديو مصور أو خلفية مصورة لموسيقى .. الموسيقى هي الحياة.. الموسيقى هي العصاة السحرية التي تفتح دروبنا الحقيقية.. كم أعشق هذا المشهد الذي كتبته بكل رومانسية بين عمرو وخلود في الأوتوبيس وهما ذاهبان إلى أسوان حين كانت تستمع إلى رحمانينوف وجاورها واستمعا معا إلى هذه المقطوعة الساحرة.. حاولت مرارا أن أجسد الموسيقى في مشاهد كتابية لكن لا أعتقد أنني نجحت حتى الآن.. سيبقى مشهدي الخالد لم يكتب بعد.. لربما لأنه لم يخلق بعد؟

هل من العيب أن تتحدث النساء عن رغباتهن؟ لا ليس عيبا لأن رغباتهن لم تحمل يوما طابعا جنسيا أو مشينا حتى أكثرنا رعونة.. لكن العيب في نظري أن يسود الصمت بعد أن نجهر بهذه الرغبات!  تعتقد النساء خطأ أنها حين تخضع لرغبات حبيبها فهي بهذا تمنحه عربونا من المحبة كدليل علي التفاني والعطاء والوجود وليكون هذا العربون مقدمة لما تود هي البوح به .. وحين تقرر البوح تجد شخصا اعتاد الأخذ والعطاء بطريقته هو لا بطريقتها هي .. وتبدأ من هذه النقطة الرحلة السرمدية التي يعشقها الرجال وهم يصفون النساء بأنهن معقدات وعسرات المزاج ومستعصيات علي الفهم .. علي الرغم من أنني أراهن أن كل رجل ممن ضحك يوما ساخرا من طبيعة النساء العجيبة في نظره، قد أخبرته رفيقته بكل وضوح وصراحة ما تريد بدون مواربة أو احتمال للتأويل!  لكن هذه النظريات عن النساء هي وسيلته في التملص من العطاء الشعوري.. وكأن عورة الرجل في لسانه فيشعر أن الكلمات المنطوقة من الغزل المستمر والمتدفق هي أكثر الأمور المستعصية في الحياة! لا أرى أي سبب آخر سوى أن الرجال ينشأون بطريقة غير مفهومة.. أو ربما لأن الرجال غير بارعين في الكاتابات الشاعرية العميقة عن النفس والحب  فنشأت أجيال وتوالت دون أن نقرأ  بعمق ما يجول في نفس الرجال حقا.. وإن اتفق الجميع علي ارتباط الحب في نظر الرجل بالجنس فهذا في نظري ملاذ آمن لهم ذلك لأن الحب المنطوق يفضح أكثر من الحب المفعول لكن من الزهو أن ترتبط القوة بالفعل حتى لو كانت القوة الحقيقة في القول وليس الفعل!

ربما  اكون مخطئة.. ربما أدقق في الأمور أكثر مما يجب .. لكن ها هما ولداي .. صبيان في جمال زهور الربيع حين تتفتح .. شقيان وحنونان.. اختبر معهما الرجولة منذ نعومة أظافرها.. ولا أرى سوى الهشاشة والرغبة المتعطشة للحب.. الحب الذي لا ولن أبخل عليهم به أبدا.. حين جعلت من كلمة "أحبك" كلمة رسمية في المنزل بدا الأمر جميلا حين أصبحت مبادلتها بيننا هي العملة الرسمية لمشاعرنا.. "وأنا كمان بحبك يا ماما" تقال كاملة .. تقال ونحن نحتضن بعضنا البعض.. أن أجعل الصبية شاعريين ورومانسيين وبأبدان وعقول قوية وفطنة لهو أسمى أهدافي.. أن يستمتعوا بشبابهم ويجدون مرادفات لما تشعر به قلوبهم ..فينطقون هذه المشاعر علي ألسنتهم دون خوف أو خجل أو مواربة..في نظري هذه هي قوة الرجل بلا ادنى شك!

متى ستعود كلماتي تتدفق؟ متى سأنهي ما بدأت.. متى سأستمتع بنشوة نقطة النهاية؟ وتذييل بتاريخ اذكره للأبد..متى؟



الجمعة، نوفمبر 18، 2022

إنني أشعر بعجز شديد.. 

أحتاج ثقبا، ثقبا واحدا فقط.. لا أعرف كيف اصيغ الشخوص في تحركات حياتيه.. كأنني غبية.. وهي حقيقة

أحتاج مساعدة حقيقية للبدء أو الانتهاء..

كل ما اكتبه هو محض مشاعر .. أحاسيس ساذجة.. كأنني اقفز للاستنتاجات دون أن املك أي قدرة علي تتبع الأسباب.. أو كأن الأسباب لن تفرق كثيرا طالما وصلنا لهذه النهاية..

افكر كثيرا حتى أنني ارسم ابطالي كمن يخط رسما هندسيا.. ثم أجد كل شيء سخيف جدا فأتركه .. لكن حين اتركه وأعود مجددا لا يعطب.. المشكلة أن مشاعري تجاه الكتابة لا تعطب..مشكلة حياتي الأزلية أنني عاجزة عن الاكمال، عاجزة عن الانتهاء.. عاجزة عن السير.. أقف عند هذا الاستنتاج وااتعطل تماما .. لكن الأسباب هي كالتالي:

أنني ملولة

أنني لا أريد الكذب

أنني لا أملك خيالا خصبا وأحب فقط أن أكتب عن الحقائق

أنني لربما وهو سبب يأتي في ذيل القائمة أنني لست أصلا بكاتبة وأن حياتي هي سلسلة محكمة الترابط من الأوهام.

كل ما أعرفه أنني احتاج للمساعدة في الكتابة

الأربعاء، أكتوبر 26، 2022

 ماذا تفعل المسافات؟ 

تميت؟

أم تزيد؟

تقول له متأملة اللاشئ خارج نافذة الحجرة

لا يجيب كعادته

تلتفت له غير متعجبة من صمته.. تتأمله لبرهة وهو يجلس مائلا علي الأريكة ، تفكر أن تكرر السؤال لكنها تمل ..

تماما كملله من أسئلتها وفلسفتها لا تلومه ولن تفعل .. قليلون هم من يطيقون العيش بجانب امرأة مثلها.

تذهب إلى المطبخ لتصنع شيئا تشربه، تفكر في شرب القهوة علي سبيل التجديد هكنها تنفر حتى من رائحتها النفاذة.. فتقرر أن تصنع قدحا من الكاموميل لتنام.

لديها روتين قبل النوم رغم كراهيتها لفكرة الروتين في حد ذاتها، لكن في المساء تشعر بشئ من السكينة في كونها امرأة، فتبدأ فهي تحب بتدليك قدميها بأداة خشبية تشبه مقبض الباب، بها خمس دوائر بنتوئات صغيرة..تضع قديمها علي الأرض وتحركهما فوق هذه الأداة فتشعر بحالة من التحرر والإثارة

تضع مرطب شفاة وتخبئ شعرها بحرص أسفل منديل صغير من الحرير اشترته خصيصا لتحمي شعرها من الوسادات القطنية، ثم تضع كريما برائحة الساكورا الذي يكرهه كثيرا وتحبه هي حبا جما..

من يرى روتينها الليلي يستشعر فيها خيطا أنثويا لا ينضب، والحقيقة أنها كانت كذلك لكن هذا ما تبقي منها ، كفرشاة يزيح بها منقبو الآثار ما وجدوه مدفونا تحت التراب..لكن هل تعيد الكريمات والمرطبات ما فقده القلب من الشغف والحب؟ ما فقده الجسد أمام سطوة الأيام؟

الثلاثاء، أكتوبر 18، 2022

 يجب أن آخذ التدوين هنا علي محمل الجد.. حقا.. قرأت مقالا اليوم هزني من الأعماق سأضع الرابط لأعود إليه كل فترة

تقول كاتبة لا أعرفها اسمها كيت فولك "أن تكون كاتبا يعني أن تقاتل دائما لتجد وقتا للكتابة" المضحك في الأمر أن هذا ما اكتشفته حديثا .. شهر ربما أو أكثر حين توقفت عن الشكوى وأن أدبدب في الأرض بقدمي تذمرا من مهامي اليومية المثقلة وعدم وجود وقت لنفسي، توقفت عن الاعتقاد أنني ضحية كل الظروف السيئة التي وضعت بها قهرا.. توقفت عن التذمر كلاما أصلا حتى بيني وبين نفسي وبدأت أفكر بجدية كيف أجد الوقت؟ وقبل أن أجده.. وجدني

استيقظت باكرا جدا ي أحد الأيام كان الرابع من سبتمبر الماضي علي ما أذكر .. استيقظت في السابعة ارتديت ملابسي دون تفكير وخرجت للتريض ربع ساعة.. كانت أكثر ربع ساعة مؤلمة في حياتي بعد توقف لسنوات طويلة عن ممارسة الرياضة شعرت بآلام شددية في قصبة قدماي لكنني قرت من وقتها أن أضع في روتين يومي مهام معينة وأفعلها دون تفكير.. اكتشفت أن التفكير هو اكثر شئ يؤلمني في الحياة وهو ما يعطلني عن التقدم والحركة.. وكان تحويل الأمور اليومية لمهام اشطبها من قائمتي طوال اليوم مفيدا ومثمرا..

تريضت لفترة بشكل يومي ثم تراجعت استمراريتي وان زاد معدل ممارستي في المرة الواحدة وهو أمر أحسبه حميدا.. 

في الثلاثين من سبتمبر اعلنوا اغلاق الاذاعة التي اعمل بها، وهو قرار وإن وضع غمامة سوداء علي وجوه كل رفاقي وبدت الحيرة في ملامحهم جميعا النساء قبل الرجال، فقد أزال هذا القرار عن صدري ثقل خطوة كنت مترددة جدا في أخذها.. وها هي تأتي منهم قبل أن تأتي مني ..

لم تكن بي بي سي أبدا ببيئة العمل التي اطمح أن أعمل بها، كانت محيطا ساما بكل أفراده وقيمه.. المشكلة هنا هي نفس مشكلة الحياة بشكل عام، أن تعمل في مكان أو تتعامل مع شخص تعتقد أنه الأروع لتكتشف أنه سام.. كنت دائما ما أحب التعامل مع الناس الفجة، علي الأقل باطنهم مثل ظاهرهم، لا خداع ولا مكر.. وأنا أكثر ما أكرهه هو المكر والخداع..

لكنني استمريت.. استمريت لأنني كنت بحاجة للانضباط اي الاستيقاظ باكرا لخاطر الأطفال .. الانضباط في أن أكون أكثر قوة في المواجهة وفي التعامل مع أشخاص ربما لن أقابلهم سوى في هذه الأماكن المغلقة الكئيبة.. لم أنجح بنسبة كبيرة لكنني تعلمت الكثير من اساليب التضييق والتكدير والمحاباة والكذب والتلفيق علي الأقل فهمت ما يجري حولي..

كنت أعرف منذ فترة طويلة جدا أن هذا المكان في طريقه للزوال ليس صعبا التكهن وسط تخبط ورجعية وقدم شديد في الأدوات والتفكير.. لكنني اليوم أعود للمرة الألف في مواجهة نفسي بحقيقة كل الكذب الذي أعيشه وأتوهمه.. قفز البعض لقنوات محلية وهو قرار محمود لأشخاص يرون أنفسهم جليا في العمل المكتبي والوظيفي وأقف الآن بخطوة للأمام وخطوة للخلف اتسائل هل سأكمل كذبي؟

هل سأكرر أخطاء عشر سنوات من حياتي؟ 

لن أفعل .. 

لن استمر في العمل المكتبي والوظيفي لو انطبقت السماء علي الأرض، حتى لو كان بداخلي ألف شك وألف سكين يطعن في حقيقتي ككاتبة، وحتى لو انطفأ الأمل في قلبي وتلاشت حرارة الحب الذي يبقيني حية، حتى لو سأمسك القلم وأكتب كجثة باردة متحجرة.. مازال بداخلي خيط حريري يقول لي إنني لن أحيا حياة حقيقية إلا لو استمريت في الكتابة.. إن قوتي الحقيقية تتجلى حين أقول ما أود قوله بالطريقة التي أود قولها بها..سيكون اختبارا صعبا، ألا أقفز مع الآخرين لألحق بركب النجاح الوظيفي الوهمي، والتفت لحقيقة عمري وابدأ من جيد.. سيكون اختبار العمر.. لو كنت قوية كفاية لأجد الوقت والجرأة لأقول كل شئ

الحمدلله أنني توقفت ممؤخرا عن ارهاصات التذمر، أصبح عقلي يعمل بطريقة أفضل وأصبحت الأفكار أكثر حدة مع اتباع حمية الصيام كنت أعرف أن الأكل العاطفي يقتل روحي ببطئ ولم أتخيل لحظة أنني سأتمكن بمفردي من مجابهة سطوته.. لكنني فعلت..كما استطعت تحمل المخاض مرتين وكما استطعت تحمل تنشئة طفلين بمفردي وكما استطعت تحمل كل تعقيدات حياتي وطبيعة زوجي المستعصية، وكما استطعت ايقاف الاساءة عندي، وكما منعت نفسي من الانغماس في بيئات لا تشبهني ولا اشبها، وكما استطعت أن أكون أنا وسط مسوخ متراصة أعتقد سيكون سهلا المضي في ازالة طبقات الجير الكلسية عن روحي وعقلي .. الاستمرار

الاستمرار هو سر الكون.. هو السر الأوحد الذي يجب أن أركز عليه لأصل 

كل ما علي فعله هو أن اترك استمرار مفروضا بحجم العمل المؤسسي وأن أجد وسيلة أحيي فيها لااستمرار كعادة وكفضيلة نابعة من اعماقي

الاثنين، أكتوبر 03، 2022

 



ماذا تفعل بي القهوة وانعدام النوم؟

يفتحان كل ما حاولت عمري كله إغلاقه.. كأن مقاومتي تنهار فأصبح كالمترنحين.. أقضي نهاري كله بنظارتي الشمسية اتسكع واكتب في بضع مقاهي تجاور المنزل .. ثم أعود للمنزل لأصلي واغير ملابسي واذهب لاستقبل الأطفال فأبدو كإنسانة أخرى. أنا أصلا لم أقتنع يوما أنني بشخصية واحدة.. أطإن شكلي الذي أراه في المرآه يختلف تماما عن الشكل الذي أعرفه عن نفسي..  جسدي الذي اتحسسه بيدي يخلف عن هذا الجسد الذي أراه في المرآه.. حتى صوتي .. صوتي الذي أكرهه وأخجل منه كثيرا.. صوتي الذي أسمعه في خواطي غير هذا الصوت المريب الذي اتحدث به..

التقطت هذه الصورة قبل دقائق.. وقبل أن اكمل النص، أحاول اقتناص لحظات من الأيام الروتينية لأفعل فيها ما أحبه وأجيده..

الكتابة!

أكتب بالمجانين..أفتح ألف مسودة.. هنا وهناك.. وحتي في مفكرة صغيرة أحملها في حقيبتي .. اكتب كثيرا كأنني أداوي قلبي بالحروف.. وهل سيداوي؟

ولكن وحتى لو كنت اعود تدريجيا للياقتي فسأبقي كاذبة.. نعم هذه حقيقة واضحة وجلية.. " أنا أمرأة كاذبة" 

وحتى لو مكثت عمري كله أكتب كل يوم ألف صفحة.. فسأبقي كاذبة.. 

لا حرج أن أسلافي من الكاتبات تواروا خلف أسماء الرجال قبل أن ينشروا أعمالهم.. لا خوفا من الرجال.. ولا خوفا من المجتمع.. بل خوفا من أنفسهم أن تفتح لهم الجرأة بابا ليهدموا به حياتهم راسا علي عقب.. لم يكونوا مستعدين لهذا التطور بعد..

وياللسخرية.. أن نكون نحن .. وبعد مئات السنين .. بنفس الخوف والجبن! 

عشت عمري كله يعتقد الجميع في كذبا أنني فتاة قوية.. وامرأة قوية.. وأم قوية.. وزوجة قوية.. 

ولكن..

ها أنا ذا..

أجلس صباحا اشرب القهوة مرة وأشعر برغبة عارمة في البكاء ولا أخلع نظارتي الشمسية رغم خفوت ضوء الشمس في المقهى.. فلم تغمض عيني أمس وصرت أتقلب بين أحلام اليقظة كالمحموم 

ورغم هذا الوجع الثقيل الذي أحمله في قلبي والذي يفيض في لحظات انفرادي بنفسي 

لكنني أحب صحبة نفسي كثيرا.. أحب صحبة أمنية الحقيقية بأحلامها ومشاعرها وغباءها وحماقتها وحديثها البطئ المرتجل .. 

مازلت أحبك يا فتاة .. ولن أمل من مرافقتك كل صباح لشرب القهوة المرة.. واسترجاع الأحلام!

السبت، سبتمبر 17، 2022

 لا اشعر برغبة في فعل أي شئ اليوم.. 

استيقظ متاخرة عن ميعادي المعتاد. يتراجع نشاط عقلي ..

لم أركض اليوم .. اشعل بساحة تغشى رومشي.. لم تحمها القهوة ولا ترطيب جسدي بالكثير من المياه كما اعتدت مؤخرا

لا تطاوعني الكلمات، ولا زمن بروست المفقود وإن كنت بكيت كثيرا وأنا اقرأ المقدمة! 

هل كنت دائما شديدة الحساسية؟

نعم، يبدو كذلك.. مضحك الأمر أن أكون علي مشارف الأربعين ولم أتعرف بعد علي نفسي.. أحيانا حين أشاهد مقاطع الفيديو المصورة، او المغنين وهم يؤدون أغانيهم أحسدهم.. احسدهم لقدرتهم علي تقمص الكلمات.. علي تحرير ملامحهم فيلبسون الحب والكره والغنج والدلال والتعجب والانكسار والهزيمة و و و .. 

هذه المشاعر الكثيرة التي يجسدونها وهم يغنون .. كم تشعرني بالخجل! كيف يمكن للانسان أصلا أن يتدلل في العلن؟ وكيف يمكن أن يسمح للآخرين برؤيته مهزوما؟ كيف يمكن أن نتعرى هكذا ولو من بابا التمثيل؟

نعم أنا شديدة التأثر، كعمود من الصلب وإن بدا قويا وثابتا، لكنه سيصدأ لو بقي بجوار الرطوبة كثيرا.. سيصبخ ساخنا كالجحيم لو بقي في الشمس، وباردا حد الموت لو بقي في الجليد.. إنه وهم القوة.. لكن الحقيقة أن كل العوامل الخارجية تأثر فيه ومع ذلك لن يتعاطف معه الهواء ولا الماء !

اتخيل أحيانا كيف يراني الناس؟ قالت لي رفيقة مؤخرا وهي تعرفني علي رفيقة جديدة : امنية شخصية اول ما تشوفيها هتقولي ايه كمية الغرور والتصلب والتحكم والتصلب في الرأي دي .. مش هتصدقي وهتحسي ان صعب تتعاملي معاها بس الحقيقة انا بعد سنيين مافيش حد بيفهمني ادها ولا بيساعدني غيرها وأكتر حد بثق فيه وبقوله كل اسراري..

كانت المرة الأولى التي اسمع انطباعها الأول عني: غرور وتصلب وتحكم في الرأي ..

يسوق لي القدر هذه الرؤى كثيرا احيانا صراحة وأحيانا بطريقة غير مباشرة.. لم أر شخصا سيئا في رواية الجميع أكثر مني .. 

لن ادافع عن نفسي ولم افعل يوما .. لكن خجلي الدائم يجعل بيني وبين الآخرين مساحات شاسعة لا استطيع اختراقها او السماح لأحد باخراقها .. فهي تحميني من البكاء بغير سبب أو الشعور بالخزي أو فقدان الأعصاب .. فأصبح كتمثال متحجر .. يساء تأويل كونه صلبا وصامتا .. لكن لا احد يعرف مثلا أن هؤلاء فائضي المشاعر كثيري الكلام والأحكام والأفعال يثيرون ضيقي وغضبي .. احتمي بالمساحات بيني وبينهم.. لا يعرف أحد أن قصصهم تأخذ من تفكيري ومشاعري ووقتي الكثيربل وأحيانا تصيبني بالفرغ،  لكني لا اجرؤ علي اصدار الاحكام علانية علي مسامعهم وأكتفي بنصح منمق.

ومع ذلك.. لا يتردد أحد أن يصدر حكمه علي ويجهر به جهرا.. لا يتردد شخص أن يكون فجا وهو يتخيل مني ما ليس في..

حين قال الطفل في فيلم باراسايت أنه رأي رجلا غريبا في المطبخ، لم يصدقه أحد.. وأول ما خطر في بالهم أنه يعاني من هلاوس بصرية، وبدأت رحلة علاج الطفل الذي ظل يعاني من قلق وغربة وخوف .. لم يتخيل أحد ولو لثانية واحدة أن الطفل علي صواب، وأن هناك خندقا طويلا في المطبخ يعيش فيه انسان .. يأكل ويشرب وينام .. تبدو الحكاية كخرافة من الزمن القديم، لكنها كانت هي وحدها الحقيقة!

لهذا لم أرضخ ابدا للمنطق فالمنطق وإن بدا منمقا كرجل يرتدي ربطة عنق حريرية وبدلة زرقاء نظيفة.. ويقف ممشوقا وواثقا..

فالحقيقة هي امرأة.. امرأة فاقدة للعقل لا ترتدي إلا ما يستر عورتها يرميها الجميع بالجنون لكنها وحدها من ينطق الحق! 

وأنا كأمنية لا أصدق المنطق كثيرا بل وأراه خبلا مهما تراصت دوافعه وأسبابه لتأتي بنتائج مدروسة ومنطقية.. هناك شئ داخلي يأبي التصديق.. يأبي الرضوخ 

تقول مديرة البرنامج وهي سيدة عادية لا تملك ما يميزها : لا مجال للمشاعر في العمل..  ابتسم ابتسامة خفيفة خلف الكاميرا واتواري وسط عشرة اشخاص أو يزيد بنفس الاجتماع.. لماذا تنفي النساء عن انفسهن التأثر بالمشاعر ويحاولن أن يقلدن الرجال؟ 

وهل نجح الرجال؟

تبدو ساذجة كطفل يرتدي سترة أبيه ليبدو كبيرا في السن والحقيقة أنها ليس علي مقاسه.. ابتسم لأن المشاعر وحدها هي من تحرك الأعمال الابداعية.. هي وحدها من تجعل الانسان يكتب نصا جميلا ويختار مقطوعة مميزة ويبذل وقتا في اخراج عمل مسموع او مكتوب او مرأي بطريقة مبتكرة.. الحقيقة أن المشاعر هي اللاعب الوحيد الصالح في عملي لكن ولكن لأن المنطق اعتاد قول هذه العبارة الكلاشيهية فهي تكررها دون فهم حقيقي لمعناها ولتطبيقها ..

كم أكتب؟ وأين اكتب ؟

اإنني كلما فكرت في عدد الكلمات التي كتبتها طوال عمري تناثرت صور المجرات أمام عيني فتبدو كلمات كالنجوم المنثورة هنا وهناك.. لامعة غير مترابطة.. لكنني وحدي من أرى دروبها .. من أين نشأت.. لكنني لا اعرف إلى أين ستقودني يوما! 

السبت، أغسطس 27، 2022

ليلة بلا ألقاب

 


كم أحب هذه المقطوعة لشوبن!  أحب مقطوعات بعينها، روايات بعينها، أفلام بعينها كلمات بعينها دون أن أملك تحيزا مفرطا لصانعيها لا أعرف لماذا!

لكن ولسنوات طويلة بدأت أراقب أنواعي المفضلة من الموسيقي، واكتشفت أنها يجب أن تملك روتينا في الحكي.. يجب أن تكون مرتبة ولها تتبع تذكره الأذن.. لم أحب يوما شوبن في حد ذاته ولا موتزارت.. إنهم صاخبين بالنسبة لي كثيرا.. لكن مقطوعة الربيع ومقطوعته الليلة يذيباني في كل مرة أسمعهما

أما جابريل فوريه فقد تربع علي عرض قلبي منذ أفردت له فصلا في سبتمبر .. إنه من أفضل المؤلفين علي الإطلاق في نظري مقطوعته صقلية بارعة للغاية.. إنه يحكي قصة ما لربما زيارة لصقلية .. ربما .. لكن كيف يحكي الانسان بالموسيقى؟

في بعض الأحيان النادرة انتهز فرصة وجودي في المكتب صباحا قبل الجميع  لأشرب قهوة بدون سكر واستمع الى بعض الموسيقي قبل الاجتماع الصباحي .. كأنني أوخز قلبي ليستيقظ من سباته غير المفهوم أو كأنني أذكر نفسي أن هذه الأماكن ليست هي الأماكن التي انتمى إليها.. وحين أعود للصخب .. اندمج.. نعم اندمج بشدة .. لكن اندماجي لا يعني ولم يعن يوما انتمائي.. إنها تقنيتي الخالدة للاستمرار!

ماذا لومنحني القدر نفحة ساحرة وخيرني أن أعيش في مشهد واحد فقط ثم أموت؟

مشهد واحد بعيد عن العواطف الأخرى.. عن عاطفتي كزوجة عن عاطفتي كأم.. مشهد مصنوع لي أنا فقط بعيدا عن كل أدواري العاطفية والاجتماعية.. مصنوع لأمنية قبل أن تكون أي شئ ودون أن تكون أي شئ مشهد يجردني من كل مشاعري وآثامي بل وحسناتي.

في الماضي كنت لأختار جبل شاهق أمضي ليلة في أحضانه فأشعر بضآلتي وسط الكون لتسكن هواجسي... أنام علي ظهري وأعد النجوم مساء ثم أذوب مع تدرجات السماء فوقي وهي تفيق من سباتها حتى يأتي الصباح.. 

لكن اليوم..وعلي غير المألوف في نفسي فأنا أشتاق لشاطئ كاريبي قبل أن يتدمر العالم بفعل التغير المناخي.. أريد أن أقضي ليلة واحدة .. ليلة تحت جذع نخلة برية وشاطئ يقابل المحيط اتمدد علي حافته فأتبلل من أمواجه.. أعتقد وقتها أننا سأخلع كل ملابسي دون أن أفكر ثانية واحدة وسأجلس عارية تماما أسفل تلك النخلة .. لا أريد أن يشغل بالي أي شئ ولا أي شخص.. أريد أن أكون مثل تلك النخلة فوقي والبحر أمامي والرمال تحتي جزء من هذا الكون فقط امرأة بلا أي ألقاب بلا ماضي وغير راغبة في الغد .. بعدها سأعود للوراء وأجلس علي جزء جاف من الرمال وسأمسك بجذع صغير وسأكتب .. سأكتب أي شئ يخطر علي بالي.. ربما خاطرة من خواطري القديمة.. ربما أمنية.. بعدها وعند بلوغ الليل.. سأمضي ليلة حافلة وأنا أرقص.. سأرقص حتى تتورم قدمي وتتبلل ملابسي من العرق ويخفق قلبي بسىرعة من الإجهاد.. إن آلام الشيخوخة التي تحاصرني تهذه الأيام لا ولم تلائمني أبدا .. أملك روحا قديمة لكنها أقرب لأرواح السحرة منها للعجائز.. بعدها..

بعد الرقص ماذا سأفعل ؟؟ 

ربما سأرتدي فستانا طويلا من الساتان الأسود وأتعطر بماكسمارا ثم أعود للبحر مرة أخرى..وقتها سأملك حرية شرب القهوة مساء دون القلق من النوم أو الاستيقاظ..دون أن أفكر في عمل صباحي أو مزاج غير معتدل مع الاطفال..وقتها سأشرب القهوة مساء كما اعتدت سأسير ببطئ شديد علي حافة البحر وأراقب عناقه الرمال علي ضوء القمر .. كم أعشق هذا المشهد.. كم أذوب فيه! حين يتخلل الموج ذرات الرمال الساكنة ثم يسحبها هوينا لأحضانه..ويعود ليكرر هذا الفعل مرة أخرى وأخرى وأخرى... لم يكل البحر يوما هذا الفعل ولن يكل... إنه في نظري أبرع عاشق في الطبيعة!

سأنهي قهوتي ثم  أتمدد مرة أخرى علي الشاطئ لأحصي النجوم.. رأيت آلاف النجوم أكثر من مرة في السماء فوق الصحراء ..لكنني لم أرها يوما فوق البحر.. سأحصي النجوم كعاشقة يقتلها الملل حتى يعود حبيبها..لكن في هذه اللحظة سأحصي النجوم دون انتظار حبيب ودون أن يحاصرني الملل..سأفعل هذا لأستمع مرة أخرى إلى صوت قلبي.. ولأفض اشتباكات روحي..وأعيد الدماء لجسدي .. وأوقظ خيالي..وأهدء من روع قلقي..وأروي روحي التي تشتاق حقا وحقا .. لأن تحصي النجوم فوق بحر كاريبي في ليلة هادئة!





الخميس، أغسطس 25، 2022

 قليلة هي الأيام التي يثيرني فيها أي شئ .. أنا شديدة الصلابة فيما يتعلق بالاستمالات 

قضيت صيفا حارقا .. لم استمتع فيه نهائيا.. استشعرت معنى مختلف في سعادة الصغار لكن مر وقت طويل لم أشعر فيه بسعادة غامرة في قلبي.. سعادة تميتني ضحكا أو تجعل قلبي هكذا ينتفض انتفاضا.. يبدو أنني أعاني من اكتئاب شديد لكنه أمر ثانوي تماما.. فما بقي من العمر لن يكون بمقدار ما مضى..

منحنى الله صفة لا أعرف ان كانت نعمة أم نقمة..فجزء من وسائلي النفسية الدفاعية هو الإنكار. 

إنكار الامر تماما حتى يتشوش مع الوقت.. وحين أعود إليه بذاكرتي أجده كصورة مكبرة ليس لها ملامح.. مجرد ألوان مشوشة متداخلة.. 

تنسيني هذه الصفة ملامح الأوجاع لكن أثرها لا يبرحني لحظة.. وحين أغوص مستكشفة أصول الألم لا أجد الا التشويش فأزداد تشويشا لأنني لا أعرف تحديدا من المتهم؟ أين السبب؟ 

يجب ان استمر في الكتابة.. رغم كل الضوضاء حولي والفراغ داخلي.. يجب أن أستمر مهما حدث .. لقد نضبت تماما وأصبحت العودة واجبة .. أضبط هاتفي كل يوم في تمام الرابعة لكنني أفشل في القيام من الإجهاد.. سيأتي وقت أضع الاجهاد فيه تحت حذائي واستيقظ .. بالتأكيد سأستيقظ لأكتب كل يوم فجرا كما اعتدت سابقا وكما أنجزت روايتي الأولى .. يجب أن يعود كل شئ لوضعه الأول.. لبداياته.. يجب أن أتتبع هذا الخيط الواهن الرفيع الشفاف لأعود إلى نقطة ارتكازي الأولى حيث الحقيقة.. وحيث هناك سأتمكن من التماس الطريق الصواب 

هناك شئ بداخلي.. ندبة عميقة.. عميقة جدا .. لا أقوى علي الفرار منها ..  أنكرت وتشوشت الصورة لكنها مازالت واقفة هناك لا أعرف ما هي .. من أين تكونت ومتى نشأت

أملك غضبا شاسعا.. وهذه حقيقة مهما بدت عادية لكن يوم الثلاثاء الماضي فقط أدركتها! كنت استعد للنوم بعد سفر طويل وقبل أن أغمض عيني استطعت للمرة الأولى منذ زمن طويل أن أحدد شعورا واحدا .. أن أمسكه من عنقه وأقف ناظرة له في عينيه وأنا أقول: أنت الغضب.. أنت هو

غضب لو تركت له العنان لن اتسطع كبحه أبدا .. أعرف شخوصه واحدا واحدا .. لكنني لا أستطيع المواجهة فأنا امرأة جبانة جدا مهما أتقنت أدوار القوة والسيطرة.. لا أستطيع حتى اطلاق اللوم عليهم في خيالي .. فأعيش حياتي في هروب مستمر.. هروب من أفكاري قبل واقعي..

أذكر في مرة احتدت علي إحدى النساء في تمرين الصبية لأنني أخذت كرسيا كانت قد وضعت عليه اغراضها وتركت عليه الأغراض لأكثر من ساعتين وصغاري لا يملكون كرسيا للجلوس فوضعت أغراضها علي الطاولة وأخذت الكرسي  فمهما طال صبري فأنا أكره الغباء والأغبياء.. وحين عادت تشاجرت معي ..وقتها شعرت أنني أجلس في فقعة من الزجاج.. انظر إليها وهي تتحدث دون أن اسمع ماذا تقول.. وأراها تتحرك دون أن تتحرك شعرة في رأسي. تركتها تتحدث وأنا افكر بيني وبين نفسي لماذا لا أقوم وألكمها في وجهها؟ لماذا لا أرد علي غبائها؟ لماذا حتى لا ألتفت إليها وأترك الكتاب.. 

أدركت أنني لا أحب المواجهات.. مهما ملكت من المنطق والحجة فأنا أكرهها .. وأهرب فورا من أي موقف قد يضعني في مواجهة مع أي شخص ..

هذه المناوشات الصغيرة تترك داخلي غضبا واسعا لم أعد أدرك من أين بدأ ومتى سيتوقف..

يجب أن أتصرف بطريقة تتلائم مع الذكرى التي ستبقي لهم.. لكن



الأربعاء، يونيو 01، 2022

 تركت آخر فصل في الخال ميلاد.. أفكر في رابع فنجان من القهوة..

وأفكر في نفسي! 

ابحث في ايميلاتي وبين أوراق كتبي.. أبحث عن اي شيء يعيد لي سعادة من قلبي..لا أحب الشوكولاتة كباقي النساء ولا أحب الحلويات .. ألهذا السبب مزاجي عسر؟

لا أعرف لكن حقيقتي اختفت خلف عشرين كيلوجراما من الوزن الزائد و افكار مشوشة تماما رغم نجاحي الوظيفي الذي أفعله بنصف عقل وربع تركيز.

ماذا لو تحصلت علي هدية .. ترى ماذا سيجعلني أطير من السعادة؟ 

شيء بعيد تماما عن حقيقتي اليوم.. قصة؟ رحلة؟ حكاية لم ترو؟

لا أعرف سأبحث اليوم!

الاثنين، يناير 31، 2022

اليوم الرابع: تمثال علي الأريكة

هل هذا هو الموت؟

تفتح ذهني تدريجيا كانقشاع معالم الطريق وسط ضباب الصباح.. شعرت ببرودة في اطرافي.. يديَ وقدميَ.. صدري أيضا بارد كلوح ثلج.. مددت يدي لأتحسسه لكنها لم تبرح مكانها..

حاولت بيدي الأخرى دون جدوى..

انزلت رأسي لأسفل في محاولة لأري يدي نفسها لكنني لم استطع تحريك رأسي..
حالة من السكون المريب اجتاحت جسدي فبات كلوح من الرخام .. صامت كالقبر، بارد.. بارد بشدة.. ثقيل كثقل الليل علي قلب مهموم..
لم يكن هناك أي شيء يتحرك فيّ إلا من عينيّ الاثنين فقط.. 
حتى نفسي بات غريبا.. لم أكن أتنفس كما اعتدت، لم استنشق ولم ازفر.. لكن يبدو أن شيءا سحريا مازال يربطني بالحياة غير الهواء!
كنت أجلس علي متمددا علي أريكتي الحمراء أمام التلفزيون منذ أمس.. استرجعت ذاكرتي ملامح الأمس .. عدت الى المنزل ارتديت منامتي وتناولت الغذاء ثم صنعت طبقا صغيرا من الفشار تناولته أمام التلفزيون ويبدو أنني غفوت قليلا لأستيقظ في هذه الحالة..
لقد تحولت لتمثال!
تمثال..
بات الخاطر مفزعا.. لكنه حقيقة.. بأقصى ما استطيع التقطت عيني أماكن في جسدي. صدري الثابت الذي لا يعلو ويهبط لأنني لا اتنفس.. قدمي تطل من بعيد باردة وثابته كالحجارة..
إنني تمثال! 
لا أعرف أي سحر ضرب المنزل أمس لكن لم يحدث أي غريب أسبح بحمده.. روتيني المعتاد الذي لم يغادرني لخمس سنوات.. 
إنه عقاب إذن.. لقد وقع بي عقاب من السماء.. 
أن أتحول لتمثال صخري ثابت.. لا أمل أن أفعل أي شيء بجسد من الصخر سوى أن يتأمله الآخرون..ليتني غفوت أمس في متحف اللوفر أو في المتحف المصري بجوار اخناتون.. لبتت تحفة فنية في منامتي وسط أجدادي وبعض أبناء العم
كنت أعتقد انني متصالح مع جسدي في الماضي.. بل يمكن القول انني معتد به.. لكن ها هو ثابت كالصخر يبدو قبيحا.. مزريا.. ثقيلا 
يبدو أن هناك بشر خلقوا ليعيشوا بمفردهم وأنا منهم.. لم أحب يوما المشاركة ولا اعتقد أنه بعد أن يفك كربي سأحتاجها .. من سيقبل جسدا بهذا القبح شريكا له في الفراش.. بل من سيقل رجل يتحول بلا سبب الى تمثال مصمت!
هل تصلبت معدتي أيضا؟ قلبي.. من أين استمد الحياة وأنا افكر الآن؟
لوهلة تخيلت أن كل ما أنا فيه حلو وسأفيق منه.. لكن صوت ساعي البريد وصوت هاتفي المستمر وتحرك الشمس لساعات بالخارج جعلوني علي يقين أنني بالفعل تحولت لتمثال صخري..
قررت النوم.. فلربما تحل عقدتي ..ولربما يصبح ألتقي الموت فأنعم بالحياة في الاخرة!


الاثنين، يناير 10، 2022

اليوم الثالث: وطن برائحة الجدة ..

وصل القاهرة وحيدا، لم يتخيل أن يكون زحام فارغ من ملامح أمه وأبيه وشقيقيه هو اول استقبال له بعد غربة دامت خمس سنوات.. لم يتمالك قدميه حين سمع بوفاة جدته.. 

كان يمنى نفسه طوال الغربة برائحة القراقيش المخبوزة في فرنها الأثري، أو قالب من العجة السحرية التي أحب بسببها كل الوجبات النباتية التي تضفي عليها طقسا فريدا بعيدان الفلفل الحار والبصل الأخضر والطحينة.. 
في اوقات كثيرة كان يشم رائحة طعامها حتى أكثر من طعام امه، ربنا لأنه عاش في منزلها نصف حياته تقريبا.. فقد كانت جدته هي أول محطة استقلالية في حياته.. حين كان يبيت معها بحكم قرب منزل والده من مزلها، فيساعدها علي اطعام الدجاج في حديثتها الاستثنائية وسط حي سكني عصري.. وي>هب معها للسوق لشراء كل ما لذ وطاب للأحفاد الذين يحضرون مساء كل خميس او علي زيارات متفرقة خلال الأسبوع.. 
كان يلازمها أغلب الوقت في أيام تعبها فتطلب منه الأم أن يتناوب معها علي المبيت في بيتها لرعايتها في ليال المرض التفرقة، ومع الوقت بدأ يستدرج تفاصيله من بيت والده لبيتها حتى شغر غرفة كاملة أصبحت غرفته.. ومع الوقت أيضا أصبح كل اصدقاءه يزورنه في منزل الجدة.. ويقفون علي ناصية الشارع بعد دروس الثانوية العامة علي بعد خطوات من منزل الجدة.. ويلاقي اصدقاءه في صالون منزل الجدة.. أصبح منزل الجدة منزله وسهره ليال الامتحانات الطويلة في غرفة الصالون الملحقة بالمنزل بباب منفصل ..
لماذا لم يكتب الشعراء معلقات في وصف ما تفعله ذاكرة أنوفنا؟ تلك الذاكرة التي ترتبط برطوبة المكان، ترتبط برائحة البطاطس المقلية وسندوتشات الطعمية بالطماطم في خبز ساخن .. رائحة طعام تحمل من الدفء أضعاف ما تحمل من رغبة في اشباع الجوع، وكأن الأنف قادرة علي تدميرك فقط اذا ما استرجعت رائحة مكان فيسيل لعابك أو حنينك أيهما اكثر وحشة!
استقل سيارة أجرة من محافظة لمحافظة، كان يحمل حقيبة ظهر خفيفة لم يفكر كثيرا فقد حجز اول تذكرة سفر الى مصر كان يبكي وهو يطلب من خدمة الاستعلامات أن تجد له أي مقعد شاغر .. أي مقعد.. كان يحسب الساعات... بالتأكيد لن يتمكن من القاء نظرة الوداع عليها..
بكى قلبه ندما وحسرة علي غربته.. لماذا نتخيل أننا لن نفارق من نحب؟ لماذا نضمن وجودهم كأنهم لا يفنون.. أو لربما لأن الحب يصنع رابطا سحريا علي الانسان فلا نتخل أن له فترة صلاحيه، وأن طائره سيسحبه في رحلة الخلود قريبا!
ركب السيارة بنفس منكسرة وقلب منفطر.. ثلاث ساعات تفصله علي منزل جدته.. شوارع القاهرة ثم الطريق الزراعي الذي يربط محافظته بالقاهرة.. لم يتغير كثيرا، نفس العشوائية، كأن قنبلة نووية ضربت الطريق، كان طريقا جميلا أثناء دراسته تتمدد أراضي خضراء بهية علي جانبي القطار كأن الانسان يسير وسط الجنان.. من الاولى أن يسمونه الطريق ترابي أو الطريق الصخري فلا يوجد أي دليل علي الزراعة علي هذا الطريق.. 
كان يفكر في والدته.. كيف سيواسيهاّ، أخبره شقيقه أنها منهارة تماما، كان قد اشترى لها ساعة ثمينة قبل عدة أشهر، كان ينتظر اللحظة التي سيضعها حول يدها .. لكنها نساها كما نسى بعض الهدايا الالكترونية التي كان قد احضرها لشقيقيه التوأم.
كانت والدته سيدة صالحة، دائما ما أخبرته أن الله مد في عمر أمها لتنال هي الثواب.. وأن كل يوم تقضيه الأم علي وجه الحياة لهو ثواب مضمون في رصيد الابناء.. ترى أهو أيضا بار بأمه؟ أم أن غربته وانشغاله في دراسته وعمله قبل سنوات أنقص هذا الرصيد؟
تخبره والدته أنها راضية عنه، لكنه غير راضي عن نفسه.. إنه يشعر في كل يوم يمضيه في هذه الحياة بانعدام الرغبة في المواصلة والرغبة في العودة كطفل صغير يلعب أمام باب منزل جدته يدخل ليشرب الماء ويأكل سندويتش ويخرج ليكمل اللعب بملابسه وعرقه..
وصل الى المنزل بعد ثلاث ساعات بالضبط، كان شقيقيه يقفان أمام الباب مع باقي اباء خالاته وابن خاله.. وكان والده يدخن سيجارة علي ناصية الشارع. تمالك نفسه ونزل من السيارة فرآه شقيقاه وهرعا اليه بسرعة.. 
كان هو الابن الأكبر، والتوأم يصغرانه بأربع سنوات، لكنه دوما ما شعر بأبوته تتفتح أمامهم، احتضنهما كل في ضفة ذراع وانهمر باكيا بحرقة.. لربما من يراهم من بعيد لا يتخيل أن مصابهم سيدة مسنة تخطت التسعين، لكنهم كانوا يبكون عمرا كاملا من الطفولة والحب، يبكون انقضاء العمر سريعا، يبكون أياما لن تعود حين كانوا صبية يلهون في هذا المكان الذي يقفون باكين علي ترابه وهم رجال بقاماتهم الفارعة!
ابتسم وهو يربت علي ظهرهما قائلا: أين أمي؟
قال أحدهما: بالداخل مع خالاتي .. 
كاد يطير اليها شوقا فدخل بسرعة حتى أنه نسى والده الواقف من بعيد..
ما ان رأته الأم الملتحفة بالسواد حتى ضربت يدها علي صدرها وهي تنادي باسمه.. انطلق نحوها وجلس علي ركبتيه يقبل يدها وقدمها وهي تحاول أن تمسك رأسه لتنظر الي وجهه وتقبل كل خليه من خلاياه.. انها ابنها البكر وأولى انتصاراتها كأم .. لا يوجد ما هو أقوى من رابطة الأم بابنها البكر، كأنها تكتشف فيه حبا مغايرا لكل أشكال الحب في الحياة، مغايرا لزوجها وابنائها الاخرين.. إنه الرجل الوحيد بعد أبيها الذي قد تفديه بروحها دون أن تفكر لثانية واحدة..
لمحت شحوبا في وجهه، كان يقول لها البقاء لله ياماما.. ذهبت الخير والبركة.. ذهبت الخير والبركة..
وفي وسط دموعها لم تكن تعرف الأم أتتقبل عزاؤه أم تشكر الموت الذي أعاد لها حياتها؟
ابتسمت رغم دموعها وشعرت أنها شاخت ألف عام وقالت له: لم يكن ينقصني غيرك .. كأن جدتك كانت تعرف أنها الوسيلة لأن آراك..
قبل يديها قائلا بسرعة: لا يا أمي .. لا . اقسم انني كنت افكر في العودة آخر هذا العام.. سامحيني يا حبيبتي 
مسحت علي شعره الناعم وقبلت رأسه المدفونة في صدرها: انت عمري وحياتي لا تعتذر يا حبيبي .. لا تعتذر أعانك الله في كل خطواتك يا فلذة روحي..
شعر بيد تربت علي ظهره وهو جالس علي ركبته في حضن امه.. تسلل عطر والده المميز ليطيح بما تبقي من مقاومته، فانتصب واقفا ليأخذه الأب بين ذراعيه ويرتب علي ظهره بقوه.. وهنا بكى كما لم يفعل منذ عرف بموت الجدة.. لربما لأن رائحة أبيه أعادته طفلا من جديد.. أو لربما لأنه وجد من يثق أنه أقوى منه، وأكثر حكمة منه.. وأكثر ثباتا ليستند إليه.
استأذن الأب زوجته أن يأخذ ابنه الى الخارج..
خرج الرجلان ليتركا النساء في مواساة حزنهم بالكلام.. ووقفا خارج المنزل ليدخن الأب سيجارة أخرى ويسأل ابنه كأن مصابا لم يكن: حدثني كيف كانت رحلتك؟ 

اليوم الثاني: رجل وحيد في برلين

 مرت عشر سنوات منذ قررت أن أفقد نفسي لأجل الحياة.. 

كانت الخامسة صباحا في نهار مكرر لأكثر من ثلاثة آلاف يوم أو يزيد.. يفتح عينيه كل يوم في الخامسة صباحا.. عادة لم يفارقها منذ كان يقضي خدمته العسكرية.. وقتها عاهد نفسه أن ينضبط في حياته وأن يكون إيجابيا، فقط يأخذ ايجابيات التجربة وينحي سلبياتها .. وكان الاستيقاظ في الرابعة صباحا من كل يوم من أكثر الأمور التي عادت عليه بالنفع في حياته بعد ذلك، فعلى مدار عشر سنوات تأرجح استيقاظه بين الرابعة والخامسة فجرا، حتى بعد انتقاله لبرلين قبل خمس سنوات وبرودة الجو في تلك الساعات الباكرة، فلم يتأخر دقيقة واحدة..

أصبح كروبوت مبرمج مسبقا علي الاتيان بمهام صباحية غاية في التنسيق والتوالي، وحياته في ألمانيا وانتقاله للعيش في بيت صغير مستقل جعلت مهمته أكثر ثباتا.. فيتنقل في ارجاء البيت باتساق لو وضعنا كاميرا وسجلنا يومه كاملا لما أخطأ خطوة واحدة عن اليوم الذي يسبقه أو اليوم الذي يليه!

استيقظ في الخامسة الا خمس دقائق، وضع قدميه في خفين من الفرو الأزرق، دلف الحمام لقضاء حاجته ثم غسل الوجه والأسنان والوضوء مع كريم مرطب خاص بالرجال علي بشرته المبللة ومرطب شفاه.. اوصاه أحد الأصدقاء الذين يقيمون في برلين منذ خمس عشرة سنة أن الطقس البارد يؤثر علي البشرة ولربما بدون المرطب قد تظهر خيوط التجاعيد باكرا! 

إنه لا يخشى التقدم في العمر حقيقة لكنه كان يخشى جدا أن يوحى مظهره لما يخالف عمره قلبه الحقيقية، ورغم بشرته الفاتحةالتي ازدادت شحوبا مع ندرة الشمس فإن شعره الأسود الناعم الذي يصففه بعناية فائقة ويضبط اطرافه بانتظام دون أن تدب فيه ولا شعره بيضاء، منتحته مظهرا شابا خاصة مع ضحكته العالية المتقطعة وغمازته الطفولية بخده الأيسر والتي تصنع ثقفبا بدفعك تلقائيا لأن تمرر اصبعك عليه من عمقه!

مع المرطب والرياضة بالتأكيد سيظل عالقا في شباب دائم، لكن القلب يفضح العمر.. والعين.. تلك المتمردة، عاهرة في فضح النوايا والرغبات!

انهى صلاته سريعا ووضع سجادته في مكانها المجاور بالضبط لطاولة صغيرة بنقوشات افريقية اصطفت عليها معدات القهوة بكل جنسياتها الأمريكية والتركية والايطالية..بالاضافة لعدد من الأكواب المفضلة وتفاصيل أخرى متفرقة..

طحن بعض حبوب القهوة مع ضرسين من الهيل ثم وضع المسحوق في ماكينة القهوة الايطالية دون أن يسقط منه مقدار ذرة، ادار الماكينة ثم توجه الى دولابه لاختيار ملابسه التي يحافظ عليها مكوية ونظيفة..

خمسة قمصان زرقاء وخمسة بتدرجات اللون السماوي وخمسة بتدرجات الكحلي. هل يحب الأزرق حقا!

بدا للوهلة الأولى عاشقا لهذا اللون بقمصانه التي يضعها بهوس حسب تدرج الألوان وستراته المختلفة لكن الحقيقة أنها لطالما عشق اللون الرمادي .. لكنه يخشى علي نفسه الانزلاق في دوامة هذا اللون خوفا من شيخوخة مبكرة!

خلع ملابسه فتسلل برد بسيط الى اطرافه رغم التدفئة المركزية في المكان، وقف أمام المرآة بملابسه الداخلية فقط تأمل صدره العريض الذي يحافظ عليه حليقا وعضلات ذراعه البارزة التي يحافظ عليها بتمارين في المنزل لتعطي ستراته عرضا مميزا .. تحسس ذقنه الحليقة ورقبته، كين يعرف جيدا أنه يملك جسدا متساقا تماما مثل دولابه وملابسه وحياته.. كان شعره مبللا بعض الشيء من الوضوء فمرر أصابعه بين خصلات شعره السوداء كأنه يحاول أن يظهر بمظهر غير مكترث.. شخص بوهيمي  فنان عشوائي.. 

بدا فاتنا بملامحه التي يم يغادرها النوم بعد

تخيل تلك الفتاة في منزله.. ترتدي إحدى قمصانه الزرقاء علي جسدها العاري بعد معركة الحب ليلا، سرت إثارة في جسده افاقه منها صوت ماكينة القهوة..

خلع فانيلته الداخلية كأنه يمنح لفتاته مساحة أوسع لتتسلل الى منزله 

وضع قالبا من السكر في قهوته التي يحبها سوداء بدون أي اضافات فتخيل قبلات علي ظهره وخصلات شعر ناعمة تداعبه، ويدان ناعمتان صغيران تمران عبر خصره في دلال

زفر بضيق وهو يقلب القهوة، دون أن تغادر فتاته الغامضة، تظهر له دوما منذ خمس سنوات، إنها نتاج البرد والوحدة والغربة!

لكنه في الواقع كان يتلذذ بالخيال أكثر من الواقع! تعشقه فتاة ألمانية عشقا حقيقيا، تبادل معها القبلات أمام باب منزلها، كاد يجن حين تسللت أناملها داخل قميصه وداعبت حلماته وهي تعض شفتيه .. لكنه أبعدها بمعجزة قائلا إنه لن يتمكن من الذهاب أبعد من ذلك!

ذهلت الفتاة وتجنبته فترة طويلة، فما أبغض ان ترفض المرأة حتى لو كانت من أكثر بلدان الأرض انفتاحا وحرية! 

لكنها عادت بعد عدة أشهر لتستدرجه .. ظلت تحاول حتى بدأت تستمتع أكثر بطعم القبلات أمام باب منزلها أو علي الرصيف. 

كانت تعرف أن اختلاف الدين قد يقف عائقا أمام علاقتهما لكنها لم تكن لتقاوم هذا الشعر الفاحم وهذا الصدر وهذا الاتساق المثير..

أحيانا يتخيل فتاته ألمانية وأحيانا أخرى يراحا بملامح مربكة، سمراء  رفيعة بشهر أسود في أوقات وأشقر في وقات أخرى.. كان يعشق النساء بالشعر الطويل.. لكن مرت خمس سنوات دون أن يدخل أي مؤنث هذه الغرفة شديدة الترتيب!

ماذا لو كانت فتاته فوضوية، تملك تفاصيل لن يتسعها المنزل! 

ماذا لو غيرت له الأثاث والأدوات؟ يعرف أن النساء يجببن ترك بصمة من الجمال في المكان والجسد.. ماذا لو وضعه له باقة من الزهور علي المائدة؟ تترك الزهور حتى تذبل وترميها في القمامة! إنه يكره الزهور بسبب نهايتها التعيسة..

ماذا لو غيرت له مكان ماكينة القهوة؟ وجاورت ملابسها ملابسه.. وتبعثرت أدواتها وزينتها وتفاصيلها الدقيقة وحبوب الافطار والشوفان والحليب والدقيق علي رخامة مطبخه الصغير؟

هل سيحب ذلك!!

إنه بارع في طرد النساء بتخيل تفاصيلهن اليومية، يكفيه حقا تطاير نيرانه علي فتاته الألمانية، يكفيه اشتهائها له.. كإبقاء الحب عند مرحلة الغلبان دون أن تخمد حرائقه!

ارتدى ملابسه علي عجل ورتب شعره بعناية فائقة ووضع عطر برائحة الصندل والليمون وحذاء جلدي بلون قشرة البندق، وخرج من المنزل في تمام السادسة ليبدأ يوما جديدا في الألف الرابعة من نغمة لم يغرد خارج ايقاعها بعد!

الأربعاء، يناير 05، 2022

اليوم الأول- في انتظار الرفيقة

 حين وصفت لي المكان لم أتخيل أن يكون مثل مغارة علي بابا.. كتل خرسانية مترامية الاطراف .. عدد مهول من الكباري العالية التي تربط بين دفتي مكانين لا ملامح لهما.. 

لا يمكن أبدا أبدا أن تصف لأحد أين تقف.. فلا يوجد لافتة أو معلم اللهم إلا من شجرة تقف علي استحياء ولافتة هدء السرعة!

كان لدي طموحات عالية حين وصلت القاهرة، لا أعرف أهي أقرب لخيالات شخص يعيش بخيال طفولي.. حين نتصور أن الحياة تمطر الجيلي .. والشوارع تكتسي باللون الوردي والأشجار كحلوى القطن اللذيذة!

نحن نعرف المدن من الصور وحكايات العابرين التي تمتزح فيها خيالاتهم بواقع المكان.. لكن المكان لا وجود له.. إنه قطعة مبهمة لا روح لها..  يجب أن يمر عليها شخص.. ويلتقمها قلب أنسان أو تأطرها العين..

لكن المكان الحقيقي ما هو إلا رمال تأخذ أشكالا متفرقة.. ناعمة أحيانا.. أو خرسانية أحيانا أخرى.. المهم أنها حبات رمال.. رمال فقط..

وفي هذه البقعة الغريبة من القاهرة وعلي جانب طريق سريع يصل بين محافظات متفرقة نزلت من سيارة أجرة أخذت أجرا مبالغا فيه .. وقفت محاولا ايجاد مظلة أحتمي بها من شمس حارقة في ديسمبر.. وبردوة لا اعرف من أين مصدرها.. كأنها تخرج من مسام الأرض.. تلامس قدميَ وتتسلل الى كل خلية في حسدي.. فبتت أقف برأسي يذوب حراً وجسد يرتعد بردا!

وقفت انتظر في طريق للسيارات يفصل بين منطقتين سكنتين لهما نفس الطابع.. كأن الطريق شق المباني كما شقت عصا موسى البحر.. أو كأنه وجد هنا بمحض الصدفة!

 العمارات تشبه الرمال أيضا بألوانها المتدرجة من البرتقالي للبني للأصفر .. 

شرفات متطابقة.. كأن كل السكان أخذوا علي انفسهم عهدا بألا يضعوا أي شيء يعبر عن هوياتهم أو ألونهم المفضلة!!!

لماذا نرى بهجة في تنوع الألوان واختلافها؟ أعتقد أن للسيميترية جمال أيضا إذا ما كانت علي مساحة واسعة..فجمال السماء أنها زرقاء. فقط.. وجمال البحر أنه أزرق وأخضر وأسود..

المهم انه متسق وله لون واحد..

مرت سيارة خاطفة أمامي الآن.. يبدو أنني سأنتظر طويلا..

بحثت بعيني فلم أجد مكانا ارتكن فيه.. باتت لي محطة بنزين من بعيد.. أعشق محطات البنزين..لاأعرف لماذا تستهويني حتى قبل أن أملك سيارة.. كنت أشعر أنها كاستراحة المحارب للتزود بالوقود والقهوة والوقت.. 

لو ملكت حبيبة لمنحتها قبلة داخل كل محطة بنزين أقف فيها علي الطرق النائية.. كم عشقت أن أجوب طرقا وعرة وبرية مع حبيبتي.. 

أي واحدة؟

واحدة فقط.. لم يكن قبلها ولا بعدها أحد!

قررت المشي للمحطة، ولكن بسذاجة غريب لم أحسب حساب قرار عبور الشارع.. بدت لي الآخرة تلوح علي الجانب الاخر من الطريٌ.. ميف لي أن أعبر طريقا تقطعه سيارات فارهة تتخطى سرعتها المائة وستين كيلومترا في الساعة؟ 

مرت إحدى السيارات من جنبي.. كدت أن أطير!

وقفت حائرا وبدت لي علامة ماكدونالدر ودانكن دوناتس تلوح من بعيد كإمراة في ملابس مثيرة تغوي شابا قرويا.. كنت أنا هذا القروي وبدت لي القهوة مثيرة جدا من بعيد..لا أطول رائحتها ولا مذاقها.. لماذا تبدو الأمور أكثر روعة من بعيد؟

لماذا تبدو مغرية.. ثرية..

كدت أموت حرفيا لأشرب فنجانا من القهوة.. لكن بحسابات الانسان العاقل كان من المستحيل عبور الجانب الآخر من الطريق .

بدت لي القاهرة- أو لان أكثر دقة- هذا الحي وهذه المنطقة السكنية بالذات وكأنها وقعت من القضاء الى قلب الصحراء .. كأنها نبتت خصيصا لبشر يعيشون داخل جدران ولا يملكون أدنى رغبة للخروج أو التريض أو حتى للمشية البريئة علي جانب الطريق.. كأن المدرينة برمتها خلقت لأصحاب السيارات فقط، وكأن البشر اختاروا الاختباء كالفئران داخل قوالب خراسانية خوفا من حرارة السماء وبرد الأرض..

ترى، كيف هي درجة حرارة البيوت داخل هذه المباني الكثيرة؟

اخترق اذني صوت سيارة مرت بجانبي.. عدت للورا بغريزة البقاء .. لم استوعب في البداية أن السيارة تضيء اشاراتها الخفية، ثم وقفت علي بعد خطوات مني، لم انتبه لكن عيني التقطتا أرقاما انجليزية صيرة علي لوحة السيارة، عادت ذاكرتي تدريجيا فلمحت يدا تخرج من الشباك الأمامي وتشير لي أن أتقدم نحو السائق وتبع الإشارة صوت آلة تنبيه

أخرجت مفكرة سوداء من جيبي وقرأت حروف سيارة صديقتي المصرية، إنها نفس حروف السيارة التي امامي .. أخيرا جاء مركل انقاذي من هذا الشارع الموحش، ترجلت بحذر للباب المجاور للسائق وفتحت الباب..

استقبلتني امرأة مصرية ناعمة ودافئة، كانت بشعر أسود قصير ونهد لم تخطئ عيناي الطريق إليه، فقد كان بارزا، جميلا، شامخا.. يتناسب بدقة بالغة مع انسدال خصرها وارتفاع عنقها .. بدت مذهلة كمنحوتة تحولت لبشر..

تسللت رائحة القهوة الى أنفي كأنها تعرف مسبقا كل نقاط ضعفي 

جلست بجانب ابتسامتها فنسيت العمارات الصفراء، والشوارع المرعبة!

جود الحياة

 اظن انه حان الوقت لأكتب عن أجمل شئ حصل في حياتي كلها .. أن يمنحني الله فتاة!  جود اسميتها جود، لأنها كرم كبير من الله، ولأنني استحضرت اسمها...