شاهدت مسلسل رومان امباير علي نتفلكس منذ فترة.. في الحقيقة انتاج المسلسل ليس بالمبهر، لكن الحقائق والتسلسل اعجبني.. انه بسيط ومباشر كحكايات المساء..
وأكثر ما أعجبني في المسلسل هو اكتشاف بدايات الاشياء، اكتشاف فنون الحكم، فنون بناء العواصم، فنون الجيوش، فنون الفتوحات، فنون السياسة والدهاء، فنون الغدر والمكيدة..
كان واضحا جدا أن كل من تقلد الحكم في الامبراطورية القديمة كان فاسدا بشكل أو بآخر .. توارث العروش ليس بالسياسية الجيدة فهناك من خلقوا للحكم وهناك من لا يملك هذه المهارة.. سعدت جدا بفكرة تترادف مع عقيديتي أن البشر يملكون مهارات فطرية، وأن الحكم والإدارة وإن كان علما يدرس الآن فبداياته كانت ارتجالية لأناس ملكوا الفطرة السديدة التي تصلح لهذه الممارسة المعقدة.
تناول المسلسل كاليجولا الذي عاش طفولة بائسة وفقد كل أسرته وتربي في كنف قاتل والده حتى تقلد الحكم وأصيب بهوس جعله يقتل كل حلفاؤه حتي قتل هو شخصيا علي يحد الحرس والمجلس الشيوخ، ثم تحدث المسلسل عن كومودوس ويولويس قيصر.. ورغم هوس السلطة والجنون والانحرافات الجنسية والسطوة حتي لايخرج العرش عن سلاسة أسرة بعينها..
بدى الأباطرة لمئات السنين مجانين بالكامل، مهوسيين بالسلطة والحكم، لديهم من الشر أضعاف مايملكون من الخير.. وكلما أراد الإمبراطور أن يشعر بالرضى عن نفسه.. فإنه يعيد المصارعة للكولوسيوم، فيتصارع البشر حتى الموت ويهلل السوقة... كأنهم يرون في الدماء أمامهم متنفسا للغضب!
استمرت مشاهدتي دون كلل وأنا أدون الملاحظات.. حتى جاء عهد ماركوس أوريلوس وهو والد كومودس.. هذا الرجل الذي كان عادلا منصفا حكم بروية وثبات.. كان من الخمسة النبلاء الذين حكموا الامبراطورية الرومانية.. ولا عجب أن المفتاح السحري للحكم وجدته عند هذا الرجل؟؟ فقد كان فليسوفا!
اهتم الرجل بالفلسفة ومع ذلك كان قائدا عسكريا وحكيما.. كتاباته في الفلسفة الرواقية- التي اسسها زيون وبالمناسبة كان زيون سوري المنشأ- تعتبر من أروع الكتابات علي الاطلاق ..
إنني أفكر كل يوم ألف مرة، كيف يمكن للانسان أن يتسق مع طبيعته .. حتى لو كانت طبيعته شريرة.. فليكن شريرا دون مواربة.. لكن المشكلة أن بعض الأشخاص يرتدون عباءات النبل فوق جلود من الشوك! فيبدو الاقتراب منهم لطيفا وودودا حتى تسيل دماءك علي اعتاب هذا الاقتراب!
لكن تلك الحروب الشرسة منذ خلق الله الكون بين الخير والشير لا يجب أن تكون كصراعات الكولوسيوم يقتل القوى فيها الضغيف لمتعة مجموعة من السوقة.. بل يجب أن تكون حروبا شريفة يكشف فيها الفاسق عن نفسه والشريف عن نفسه.. لكن كيف ننتظر نزاهقة من رحم فسوق؟
وختاما.. لم أر نموذجا يحاكي الكمال أكثر من أن يحكم الحكيم بين الناس أو يحكم الناس.. لكن الحكمة هبة انتقى الله بها عبادا دون عباد.. فإذا غابت الحكمة غاب الخير .. واتذكر هنا قول الكريم: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ "{البقرة:269}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق