الثلاثاء، أبريل 11، 2023

 ثاني كوب من القهوة.. هدأت نفسي قليلا عن الصباح.. لا استطيع تقمص حياة بطلتي الأولى التي عانت الاجهاض وتعيش بلا أبناء وتطلب التحرر من زواج دام خمسة عشر عاما لأنها تعشق الفن وزوجها رجل مصرفي؟

هل الإجهاض هو من كسرها، أم الزوج.. الرجل.. هذا المذكر الذي خلقت من ضلعه وكانت تشتاق ملأ نفسها أن تعود لوطنها في جسده.. لكنه لم يفعل هذا بحب.. كان يفعله لنفسه لا لها.. تسير الحياة

سنوات طويلة.. فقدان للأب والأم ولذرية تأبى الوجود.. لتشعر في لحظة جنون أنها لا تريد من الحياة سوى أن تمضي ما تبقى من اربعيناتها دون رجل.. 

أخاف كثيرا من هذا الرواية التي قطعت فيها شوطا طويلا... أخافها لأنني أقدس الولادة.. وكلما ذكر الاجهاض أشعر بألم أسفل بطني.. كأنني أنا من أفقد جنينا.. مع كل حرف اتألم ألما حقيقيا.. لهذا تبقي روايتيا عالقتان في طور المسودة..

كيف أعيش وأنا اتألم كل هذا الألم مع بطلاتي؟ 

تبقي أزمتي الأخرى مع الرجل .. ربما منحني الله صبيان بطباع مختلفة جذريا عن بعضهما البعض لأري من أين تنبع صفات الرجل الأصيلة.. أشهد بتعجب كيف يعجب نديم بفتاة ليتحول حبه ندية ورغبة في سحقها رغم انه لا يتوقف عن الكلام عنها او كتابة اسمها.. لكنه يقول لي إنه مخاصمها وإنه لا يطيق النظر لها.. لم يتحدث عنها اذن؟ حين اقول له ليكن قلبك ابيضا يا نديم كهذا التيشيرت الذي ترتديه.. يجيب بمكر: لكنني أحب اللون الأسود أكثر..  عنيد هذا الفتي الناري.. لكنني وحدي من اعرف حبه الجارف الذي يخفيه بين ضلوعه .. اراه في ابتسامته الساذجة حين يلحظ فتاته هذه في فناء المدرسة.. واعرف ان تكرار اسمها علي لسانه هو بدايات تعرفه علي الحب.. لكن لماذا يترجمه كراهية؟ تفسيري الوحيد أنه الخوف.. الخوف من فقدان عنده وصلابة شخصيته.. يتلحف بلونه الأسود المفضل علي حد قوله ليواري به عذوبة مطلقة..  

يفسر لي ابنائي الكثير من أفعال الرجال..لكنني  زوج بطلتي .. المصرفي الذي لم يفكر في الانفصال أو الزواج بأخرى حين عرف باستحاله انجابه من زوجته هذه بالذات.. هذا الرجل أريد صناعته بطريقتي الخاصة.. أريد فيه كل المبررات غير المفهومة لطلاق أمات القلب.. أتعجب جدا كيف يمكن أن نحيا بقلوب مكسورة داخل بيوت من الخراسنة شديدة الصلابة.. لماذا نخشى خراب الخرسانة أكثر من خراب قلوبنا؟  

حسنا.. أعود لبطلي.. هذا الرجل الذي لا يوجد مبرر واحد منطقي قد يدفع امرأة من الطلاق منه سوى أنه  لا يشعر بها.. خمسة عشر عاما دون أن يجد طريقة خاصة يخفف بها ألم أنثاه.. دون أن يستعمل دفئه ليلملم شتات جسد انزلق بين بين ساقية طفلين ميتين .. رجل إثمه الوحيد أنه وقف في المنصف.. لم يحبها ولم يكرهها.. 

يعود ألمي من جديد .. لكنه ألم مغلف بالحيرة هذه المرة.. 

أفكر.. لم لا أكتب عن السعادة إذن؟ 

كنت فتاة رومانسية.. دائما ما كنت.. لهذا تركت مشاعري تنساب علي الورق في روايتي الأولى.. كتبت عن نفسي وبضع مقتطفات من قصص صديقاتي وحاولت أن أبدو نزيهة لكنني لم استطع.. لهذا جائت جميلة.. النزاهة لا رونق لها أمام ما يحدثه الانحياز في حياتنا من دمار..وهل الحب انحياز؟ أم نزاهة؟ الحب انحياز والزواج نزاهة.. اعتقد .... لا أعرف.. 

أنا وإن بدوت رزينة في حديثي عن الاجتماعيات وتلك العلاقات المتشابكة بين البشر وبعضهم البعض، نعم ابدو رزينة بنبرة اذاعية لا استطيع التخلص منها.. لكنني وحدي مساء بموسيقاي وقهوتي ولوحة مفاتيحي أعرف أنني مصابة باضطراب كامل في عقلي وقلبي.. كلما اقترب بي العمر من الأربعين يزداد هذا الاضطراب.. 

هل سأشفى منه لو وجدت دربا لأبطالي علي الورق؟ أحيانا أتخيل هذا.. وأحيانا أقول أن هذا قدري..

لاستسلم له..


حسنا.. للأسف استيقظت..

حاولت لساعة ونصف أن ألحق به لكنني فشلت فشلا ذريعا.. فجأة تداخل كل شئ.. تفاصيل الحقيقة الحمقاء وهي تحاول تطويع الحلم علي مقاسها.. ارهقت ذهنيا وفتحت عيني أعاني من الصداع..هذا الصداع الذي هو أقرب لثقل في جبهتي لا أنا نائمة ولا مستيقظة.. حالة أعرفها جيدا فلا يجدي حتي الكافيين فيها نفعا بل هي تمرد علي النوم والاستيقاظ والكافيين.. 

حلمت به.. حلمت وأحلم به كثيرا.. نفس الشخص بنفس الملامح.. بنفس الطول.. بنفس الملابس البيضاء.. بنفس الكر والفر.. لم أحب لعبة في حياتي أكثر من لعبة الحب .. أفهم جيدا مي زيادة حتى لو نعتوها باللعوب.. ومن منا نحن النساء ليست بلعوب؟ ربما اتجرأ يوما وأكتب هذا علنا.. ربما حين أتم الرابعة والأربعين.. عمر قلبي.. هكذا كنت اري نفسي منذ كنت في الرابعة والعشرين.. ربما وقتها تكتمل الأحجية وأقول ما تخجل منه النساء جميعا.. ربما أملك الشجاعة وقتها.. ربما..

أريد أن أؤرخ لهذا الحلم.. لم يكن حلما أبدا. فقد استيقظت ربما في الثامنة لأتعجب من كل هذا الاجهاد غير الطبيعي في جسدي كأنني كنت حقا بجسدي في هذا المكان.. كان يقف هناك ربما يلقي خطبة.. نظرت له من بعيد.. لم يرني.. وبعدها حاولت تذكر متي سيجئ.. ظهرت نتيجة معلقة علي الحائط.. يبدو أن أحدا لم يقطف أوراق الأيام التي مضت.. كنت اقطفها وانا ادعو من كل قلبي أن يكون هذا هو اليوم الذي سأراه فيه.. وكان هو اليوم.. يوم أربعاء.. فرحت فرحا جما وانتظرت في تلك الساحة او القاعة.. 

هناك فرح .. قاعة أفراح..فرح بالأسفل وأنا أيضا أنظر من شرفه او دور علوي كالقناصة.. كان هناك صراع.. محاولة فرار... ثم ظهرت امرأة أخرى.. لم تكن امرأة بل كانت فتاة ربما اعرف ملامحها من المرحلة الثانوية.. الغريب أنها كانت تربي ولدي فارس.. كنت انظر في ألبوم صور فعرفت أنها هي من كنت اضع عندها فارس لرعايته صغيرا.. وهي لم ترزق بأطفال.. 

لم أكترث لألبوم الصور.. 

حالة غريبة تسري في هذه القاعة التي مازلت اقف في شرفتها العلوية.. صراع ربما .. او ربما شعرت أنه عرف بوجودي.. كان يلتفت حوله.. الكثير من الناس... ثم رأيته يخرج من القاعة..

نزلت السلالم.. كان يقف هو في مكان بين طابقين.. وقفت خلف جدار.. كان يشعر بوجودي.. لم يقل لي هذا لكنني اعرف ما يشعر به دون كلام.. خروجه كان بحثا عني.. محاولة لاصطيادي.. كان ذكيا يعرف كيف يرسم لي طريقي كمغناطيس يجتذب برادة حديد...يكفي وجوده في مكان ليعرف أنني فيه حتى لو لم أظهر.. وقفت خلف جدار افكر هل أذهب له لاتحدث.. ام اكمل اختبائي وانظر له متلفتا حائرا.  ثم فكرت في الحلم كم سأكون حمقاء لو ظهرت فجأة و ارتميت في حضنه... لكنني في الحلم كنت حمقاء.. ما ان التفت إلي حتى خرجت من مخبئي والتصقت به..  ذهل هو كثيرا.. شعرت بصدمته لأنه لم يحطني بذراعيه..وقف مندهشا.. كنت أنا من أمسك به بكلتا يدي بقوة.. دفنت وجهي في صدره لا أقوى على النظر في وجهه خجلا حتي كدت اتوقف عن التنفس.. كنت انا من يحتاج له لا هو.. لهذا كنت سعيدة بكل أنانية!

ذبت كثيرا في هذا الحضن.. لأول مرة في حياتي كلها أتذوق السكينة.. وكأني احتضن ملاكا لا بشرا.. ملاكا مخلصا من الآلام.. ابتعدت عنه .. وقررت في الحلم أن أعيد مشهد اللقاء .. وفي كل مرة اتردد قبل الحضن وأقول لأستبدله بالحديث.. ثم أجد نفسي أحضنه.. مرارا وتكرارا.. أي سكينة أبحث عنها في الحياة وأنا أعرف أنها ستحضرني مع الموت الذي استعد له في كل ليلة؟

عاد الكر والفر..لقاءات غريبة.. أفهم جيدا وأنا أتأمل خطوط وجهي وكفي أنني لطالما عشقت الحب العذري.. لكن كلمة عذري غبية.. سأحاول أن أبحث عن مرادفا خاصا بحالتي... أحب الحب كحبي للطهي أكثر من الطعام..هذا هو.. الرائحة.. ملمس الخضر والفاكهة.. ألوانها.. تقطيعها. بل إنني اشتري الماشروم والافوكادو فقط لأنتشي من غرس السكين فيهم.. ربما هذا الملمس الغريب.. أحبه..

وأحب غرس أناملي في حبوب القهوة.. حب اكتشفته علي كبر.. لكنه فتح داخلي بداية شعور غريب.. كما أحب المشي علي الحشائش.. أطرافي هي قرون استشعار أكثر منها أطراف.. ربما أنا كذلك.. وكذلك الحب في نظري.. 

والحب كان ومازال في نظري هو حضن.. أو لنستخدم تركيبة لغوية أخرى.. هو احتضان..ربما.. ويجب ألا نأخذ الحضن لأبعد من هذا.. لو أخذناه فنحن لا نحب هذا الشريك.. الحضن ليس مقدمة.. الحضن نهاية.. هكذا كانتهاء الروايات بقبلة بين البطل والبطلة.. لكن الصحيح أن يكون الحضن.. التحام جسدين دون إثارة.. بل تبدو الاثارة لي فعلا مقززا لو حضرت في حضور الحب..

لا اذكر سيئا من الحلم سوي الكر والفر.. سوي السكينة.. سوي المجهول.. ثم يبدو أن جريمة قد وقعت.. جريمة شنعاء.. قتل شخص.. فحلق القلق علي المكان.. ثم ظهر أنني ابحث عن منزل بواجهة زجاجية يطل علي المحيط.. 

كنت سعيدة وخائفة.. 

ربما اكمل مساء بعد أن اشرب قهوتي السوداء.. وربما اعود لرشدي.. وربما أجن أكثر.. وربما تنفرط الكلمات في روايتي المفتوحتين في رابطين أعلى شاشتي.. وربما اشرب الكاموميل وأنام.. وربما لا أعود أبدا

 استيقظت منذ قليل كمن كان في حياة أخرى..حياة حقيقية بكل معنى الكلمة. شخوصها..حديثها..حماسها.. الجرائم.. اللهث. وهذا الحضن الذي أشعر به يذيب قلبي حتي كتابة هذه الكلمات. الغريب أنتي تمكنت في الحلم أن أعيد مشهد الحضن كمن يعيد مشهدا في فيديو..وفي كل مرة اذوب فيه أكثر من اول مرة. 

هل الأحلام نعمة؟ هي نعمة قطعا. قطعا نعمة... هي الحياة التي نهرب بها من السلبيات الطفيفة في واقعنا. نعم نحب واقعنا لكن الأحلام هي مكان العشق. هي مكان دقات القلب الحارقة. هو ماكن لأشياء لن ولم نفعلها ما حيينا..وكأنه الله يمنحنا فوق الحياة حياة. وفوق الحب حبا. وفوق الأمل مخزنا من الآمال المحققة نتثائب بين جنباته كما نشاء ..

لا أعرف إن كنت سأتمكن من القيام من فراشي طوال النهار أصلا أم أظل هكذا متشبثة برائحة الحب 


جود الحياة

 اظن انه حان الوقت لأكتب عن أجمل شئ حصل في حياتي كلها .. أن يمنحني الله فتاة!  جود اسميتها جود، لأنها كرم كبير من الله، ولأنني استحضرت اسمها...