ثاني كوب من القهوة.. هدأت نفسي قليلا عن الصباح.. لا استطيع تقمص حياة بطلتي الأولى التي عانت الاجهاض وتعيش بلا أبناء وتطلب التحرر من زواج دام خمسة عشر عاما لأنها تعشق الفن وزوجها رجل مصرفي؟
هل الإجهاض هو من كسرها، أم الزوج.. الرجل.. هذا المذكر الذي خلقت من ضلعه وكانت تشتاق ملأ نفسها أن تعود لوطنها في جسده.. لكنه لم يفعل هذا بحب.. كان يفعله لنفسه لا لها.. تسير الحياة
سنوات طويلة.. فقدان للأب والأم ولذرية تأبى الوجود.. لتشعر في لحظة جنون أنها لا تريد من الحياة سوى أن تمضي ما تبقى من اربعيناتها دون رجل..
أخاف كثيرا من هذا الرواية التي قطعت فيها شوطا طويلا... أخافها لأنني أقدس الولادة.. وكلما ذكر الاجهاض أشعر بألم أسفل بطني.. كأنني أنا من أفقد جنينا.. مع كل حرف اتألم ألما حقيقيا.. لهذا تبقي روايتيا عالقتان في طور المسودة..
كيف أعيش وأنا اتألم كل هذا الألم مع بطلاتي؟
تبقي أزمتي الأخرى مع الرجل .. ربما منحني الله صبيان بطباع مختلفة جذريا عن بعضهما البعض لأري من أين تنبع صفات الرجل الأصيلة.. أشهد بتعجب كيف يعجب نديم بفتاة ليتحول حبه ندية ورغبة في سحقها رغم انه لا يتوقف عن الكلام عنها او كتابة اسمها.. لكنه يقول لي إنه مخاصمها وإنه لا يطيق النظر لها.. لم يتحدث عنها اذن؟ حين اقول له ليكن قلبك ابيضا يا نديم كهذا التيشيرت الذي ترتديه.. يجيب بمكر: لكنني أحب اللون الأسود أكثر.. عنيد هذا الفتي الناري.. لكنني وحدي من اعرف حبه الجارف الذي يخفيه بين ضلوعه .. اراه في ابتسامته الساذجة حين يلحظ فتاته هذه في فناء المدرسة.. واعرف ان تكرار اسمها علي لسانه هو بدايات تعرفه علي الحب.. لكن لماذا يترجمه كراهية؟ تفسيري الوحيد أنه الخوف.. الخوف من فقدان عنده وصلابة شخصيته.. يتلحف بلونه الأسود المفضل علي حد قوله ليواري به عذوبة مطلقة..
يفسر لي ابنائي الكثير من أفعال الرجال..لكنني زوج بطلتي .. المصرفي الذي لم يفكر في الانفصال أو الزواج بأخرى حين عرف باستحاله انجابه من زوجته هذه بالذات.. هذا الرجل أريد صناعته بطريقتي الخاصة.. أريد فيه كل المبررات غير المفهومة لطلاق أمات القلب.. أتعجب جدا كيف يمكن أن نحيا بقلوب مكسورة داخل بيوت من الخراسنة شديدة الصلابة.. لماذا نخشى خراب الخرسانة أكثر من خراب قلوبنا؟
حسنا.. أعود لبطلي.. هذا الرجل الذي لا يوجد مبرر واحد منطقي قد يدفع امرأة من الطلاق منه سوى أنه لا يشعر بها.. خمسة عشر عاما دون أن يجد طريقة خاصة يخفف بها ألم أنثاه.. دون أن يستعمل دفئه ليلملم شتات جسد انزلق بين بين ساقية طفلين ميتين .. رجل إثمه الوحيد أنه وقف في المنصف.. لم يحبها ولم يكرهها..
يعود ألمي من جديد .. لكنه ألم مغلف بالحيرة هذه المرة..
أفكر.. لم لا أكتب عن السعادة إذن؟
كنت فتاة رومانسية.. دائما ما كنت.. لهذا تركت مشاعري تنساب علي الورق في روايتي الأولى.. كتبت عن نفسي وبضع مقتطفات من قصص صديقاتي وحاولت أن أبدو نزيهة لكنني لم استطع.. لهذا جائت جميلة.. النزاهة لا رونق لها أمام ما يحدثه الانحياز في حياتنا من دمار..وهل الحب انحياز؟ أم نزاهة؟ الحب انحياز والزواج نزاهة.. اعتقد .... لا أعرف..
أنا وإن بدوت رزينة في حديثي عن الاجتماعيات وتلك العلاقات المتشابكة بين البشر وبعضهم البعض، نعم ابدو رزينة بنبرة اذاعية لا استطيع التخلص منها.. لكنني وحدي مساء بموسيقاي وقهوتي ولوحة مفاتيحي أعرف أنني مصابة باضطراب كامل في عقلي وقلبي.. كلما اقترب بي العمر من الأربعين يزداد هذا الاضطراب..
هل سأشفى منه لو وجدت دربا لأبطالي علي الورق؟ أحيانا أتخيل هذا.. وأحيانا أقول أن هذا قدري..
لاستسلم له..