تخرجت من الجامعة قبل أعوام كثيرة... قبل ان اكمل حديثي، لاحظت شيئا غريبا.. فقد اعتدت في صغري ان اتحدث بصيغ التعميم ( كثير- قليل) ( طويل- قصير) اذا اختلط علي القياس، اعاني أزمة من الصغر مع الأرقام واللغة، لكنني اشعر بالامان كطفل تصفق له امه دعما، اذا وقعت عيناي علي رقم زوجي، ها انا ذا اتذكر ازماتي الطفولية واضحك وانا في عقدي الرابع لانني مازلت اشعر بالامان مع مضاعفات رقم اثنين، واتلعثم رغما عني امام مضاعفات الثلاثة!
لكن القدر كان يبتسم لي بحنان وهو يكتب بيديه الخفية خلف عباءته البيضاء مناسبات عمري في سنين زوجية،لييسر علي تذكرها..
حسنا، سأستجمع قواي وأقول بثقة انني تخرجت قبل اثنتي عشرة سنة، الامر سهل، فقط تخرجت في عام ٢٠٠٦ ونحن الان في ٢٠١٨، عشر سنوات اذن بالاضافة لاثنين من الاعوام!
رائع،
لماذا تذكرت هذا العمر الان؟ وانا اجلس بعد يوم مفعم بالامومة تحاذيه أفكار انتحارية، مزاج متقلب و ثلاثة فناجين من القهوة!
علني أبحث عن زاوية ثابتة اقيس بها ما مضى والتمس منه حدسا لما سيجئ؟
لكنني قبل اعوام كثيرة " لا اذكر العمر حقا" استسلمت بالكامل لموجة الهادر وانحنيت يقينا بنفوذه الساطع وتوقفت عن الحدس.
القدر!
لا احب الفلوت! ان آلات النفخ تصيبني بالذعر
احب التشيللو، انه يشبهني بشكل او باخر .. صوته .. انحناءات جسده .. حتي نومه مائلا.. لا هو مستريحا كالجيتار، ولا واقفا كالقيثارة..
هل القدر لحن؟
لو ان قدري لحنا، ف سيشبه مقطوعات بيازولا كثيرا
كئيبا بحس مرح..
احب ان اقرأ سير من اهتم بأعمالهم، لكن بيازولا كان كافيا بالنسبة لي ان اتخيل حياته التي لربما تشبه حياتي كثيرا..
هل س ياحسبنا الله علي ما فعلنا؟ ام ما لم نفعله -لو فعلناه- مثلا لو كتبت انني اريد كذا ولم احصل عليه.. هل سيكون دليل إدانة لقذارة لم ترتكب؟
كان الامر مثيرا جدا في الصحراء قبل ثلاثة عشر عاما - من السهل تذكر هذا التاريخ لأنه قبل عام من تخرجي- وقفنا في مكان مجهول لضبط شيئ ما في الحافلة، ترجلت وحدي و وقفت تحت المطر، أتذكر هذه اللحظة جيدا جدا، الصحراء تحزن كثيرا في الشتاء..
بلل المطر الغزير ملابسي، شعرت بخوف شديد، لكن حزنا خفيا ضرب قلبي، وبحنان لا اعرف مصدره بدأت أتأمل خطوط الجبال السوداء في الأفق، المطر الذي وللمرة الاولي اراه قطرة قطرة..
يا الهي..
كان الامر مهيبا، كأنني أتجسس علي رجل عزيز يبكي ولده بحرقة..
الصحراء والمطر يصيباني بحزن مبالغ فيه، أم لعله حماستي المفرطة التي قادتي وانا طالبة صحافة ان اتجسس علي مشاعر هؤلاء الذين انتشلوا جثث منتفخة وبقايا أطراف من عرض البحر؟
لم اتردد ان استقل حافلة واذهب لعمل لقاءات صحفية مع من انتشلوا جثث الغرقى ضحايا العبارة! انتظرت أسبوعا لتهدأ ارواحهم وتعاد الصور بوضوح في أذهانهم قبل ان التقيهم.. اي حماقة اقترفتها في حق نفسي دفعتني -وانا لم ادخل العشرين بعد- أن أصيب روحي بكل هذا الالم؟ كنت اتخيل ان هذه الحماسة، هذا الاجتهاد، هذه المغامرات لها ان تجعلني افضل في عملي، لكن الواقع يقول ان مهنتي هي مهنة الجميع، لم اكسب اي شيئ من مغامراتي الغرة سوى ألم مازالت استشعره، اصوات تبكي، وأخرى تشجب وتدين، أناس فقدوا أحبائهم و اخرون ينتظرون قدومهم!
كانت هذه مقطوعة التانجو الحر لبيازولا..
عله هو الاخر شعر بغباءه وهو يكتب هذه المعزوفة!
كثير من الضحك الساخر يتخلله بكاء علي ما مضي، ثم ضحك ساخر ثم بكاء
اسماه التانجو الحر
عله كان يسخر ممن سخروا من تصنيف أعماله ضمن "التانجو" فكتب لهم هذه المقطوعة ثم اسماها التانجو الحر .. ليصنف نفسه بعيدا عن غباء من حوله
لو ليضحك عليهم قائلا: "حسنا.. انا لا اعزف التانجو ايها الرفاق، هو لكم.انني اكتب/ اعزف لحنا جديدا هو التانجو الحر"
لا اعرف.. كل ما اعرفه الان انني اشعر بالغباء بعد مرور كل هذا العمر، هذا الوجع، هذه الاحلام التي تشبه مقطوعات بيازولا، كان هو اوفر حظا مني لاني عبر عنها بالاته، لكنني اعجز في كل مرة أمسك القلم، لان قلمي اعتاد ان يكتب امورا يومية/روتينية/ اخبارية/ مقتضبة/ مملة.. حتي فقد شغفه تجاه سبر الاغوار والحديث عن الصحراء!
لربما اعود هذا الشتاء الي الصحراء في ليلة مطيرة لأبكي اسفل ذاك الجبل الوحيد الاسود واستمع للتانجو الحر!
لكن القدر كان يبتسم لي بحنان وهو يكتب بيديه الخفية خلف عباءته البيضاء مناسبات عمري في سنين زوجية،لييسر علي تذكرها..
حسنا، سأستجمع قواي وأقول بثقة انني تخرجت قبل اثنتي عشرة سنة، الامر سهل، فقط تخرجت في عام ٢٠٠٦ ونحن الان في ٢٠١٨، عشر سنوات اذن بالاضافة لاثنين من الاعوام!
رائع،
لماذا تذكرت هذا العمر الان؟ وانا اجلس بعد يوم مفعم بالامومة تحاذيه أفكار انتحارية، مزاج متقلب و ثلاثة فناجين من القهوة!
علني أبحث عن زاوية ثابتة اقيس بها ما مضى والتمس منه حدسا لما سيجئ؟
لكنني قبل اعوام كثيرة " لا اذكر العمر حقا" استسلمت بالكامل لموجة الهادر وانحنيت يقينا بنفوذه الساطع وتوقفت عن الحدس.
القدر!
لا احب الفلوت! ان آلات النفخ تصيبني بالذعر
احب التشيللو، انه يشبهني بشكل او باخر .. صوته .. انحناءات جسده .. حتي نومه مائلا.. لا هو مستريحا كالجيتار، ولا واقفا كالقيثارة..
هل القدر لحن؟
لو ان قدري لحنا، ف سيشبه مقطوعات بيازولا كثيرا
كئيبا بحس مرح..
احب ان اقرأ سير من اهتم بأعمالهم، لكن بيازولا كان كافيا بالنسبة لي ان اتخيل حياته التي لربما تشبه حياتي كثيرا..
هل س ياحسبنا الله علي ما فعلنا؟ ام ما لم نفعله -لو فعلناه- مثلا لو كتبت انني اريد كذا ولم احصل عليه.. هل سيكون دليل إدانة لقذارة لم ترتكب؟
كان الامر مثيرا جدا في الصحراء قبل ثلاثة عشر عاما - من السهل تذكر هذا التاريخ لأنه قبل عام من تخرجي- وقفنا في مكان مجهول لضبط شيئ ما في الحافلة، ترجلت وحدي و وقفت تحت المطر، أتذكر هذه اللحظة جيدا جدا، الصحراء تحزن كثيرا في الشتاء..
بلل المطر الغزير ملابسي، شعرت بخوف شديد، لكن حزنا خفيا ضرب قلبي، وبحنان لا اعرف مصدره بدأت أتأمل خطوط الجبال السوداء في الأفق، المطر الذي وللمرة الاولي اراه قطرة قطرة..
يا الهي..
كان الامر مهيبا، كأنني أتجسس علي رجل عزيز يبكي ولده بحرقة..
الصحراء والمطر يصيباني بحزن مبالغ فيه، أم لعله حماستي المفرطة التي قادتي وانا طالبة صحافة ان اتجسس علي مشاعر هؤلاء الذين انتشلوا جثث منتفخة وبقايا أطراف من عرض البحر؟
لم اتردد ان استقل حافلة واذهب لعمل لقاءات صحفية مع من انتشلوا جثث الغرقى ضحايا العبارة! انتظرت أسبوعا لتهدأ ارواحهم وتعاد الصور بوضوح في أذهانهم قبل ان التقيهم.. اي حماقة اقترفتها في حق نفسي دفعتني -وانا لم ادخل العشرين بعد- أن أصيب روحي بكل هذا الالم؟ كنت اتخيل ان هذه الحماسة، هذا الاجتهاد، هذه المغامرات لها ان تجعلني افضل في عملي، لكن الواقع يقول ان مهنتي هي مهنة الجميع، لم اكسب اي شيئ من مغامراتي الغرة سوى ألم مازالت استشعره، اصوات تبكي، وأخرى تشجب وتدين، أناس فقدوا أحبائهم و اخرون ينتظرون قدومهم!
كانت هذه مقطوعة التانجو الحر لبيازولا..
عله هو الاخر شعر بغباءه وهو يكتب هذه المعزوفة!
كثير من الضحك الساخر يتخلله بكاء علي ما مضي، ثم ضحك ساخر ثم بكاء
اسماه التانجو الحر
عله كان يسخر ممن سخروا من تصنيف أعماله ضمن "التانجو" فكتب لهم هذه المقطوعة ثم اسماها التانجو الحر .. ليصنف نفسه بعيدا عن غباء من حوله
لو ليضحك عليهم قائلا: "حسنا.. انا لا اعزف التانجو ايها الرفاق، هو لكم.انني اكتب/ اعزف لحنا جديدا هو التانجو الحر"
لا اعرف.. كل ما اعرفه الان انني اشعر بالغباء بعد مرور كل هذا العمر، هذا الوجع، هذه الاحلام التي تشبه مقطوعات بيازولا، كان هو اوفر حظا مني لاني عبر عنها بالاته، لكنني اعجز في كل مرة أمسك القلم، لان قلمي اعتاد ان يكتب امورا يومية/روتينية/ اخبارية/ مقتضبة/ مملة.. حتي فقد شغفه تجاه سبر الاغوار والحديث عن الصحراء!
لربما اعود هذا الشتاء الي الصحراء في ليلة مطيرة لأبكي اسفل ذاك الجبل الوحيد الاسود واستمع للتانجو الحر!