وتزوجها وهو يعرف أنها لا تهواه ما يكفي، او لربما كانت تريد الأمومة أكثر من الحب، او لربما كانت تطمح للانتقال للخطوة التالية بعد ملل من الوحدة..
تزوجته وهي تعرف أنه سيحبها أكثر بعد الزواج،لم تثق يوما بحبه لها.. سيحبها بعدما تبدأ لعبتها الأثيرة في اصطياد العشق عن قرب، كانت تعي أنها الأقوى، وأن إرث الكيد في دمها أقوى.. وأن أسلحتها أكثر سطوة، ودموعها- وقت الحاجة- تحت الطلب..
تلك الثقة المطلقة في الفطرة.. نسفها هو نسفا..
بفطرة أكثر تسلطا.. برجولة لم تكن تعرف أن مرادف الكيد فيها هو التصلب.. التخشب.. البقاء بلا حراك.. كلوح من الثلج.. كعمود من الصلب.. كجبل لا تسقط من عليه مقدار رملة امام عتاوة الريح و السيول!
اخرجت كل اسلحتها.. استخدمتهم.. بالترتيب.. لا
لنغير الترتيب..
ليكن الصراخ ثم البكاء ..
ليكن البكاء ثم الدلال..
ليكن الدلال ثم الامتناع..
أو لنقلب الآيات.. أو لنعيدها صورتها الأولى..
ليكن اي شئ.. انفرطت الحيل.. فباتت سخيفة ومكررة.. وهو
باقي كجذع الصندل.. بري.. ثابت.. واثق.. رائحته تدمرها.. وصمته كان يثير جنونها.. ثم شعرت فيه بالحكمة.. ثم بات هذا الصمت امام كل اسلحة الأنوثة الحادة والناعمة.. بات مخيفا! واليوم.. اصبح مهينا.. مهينا جدا!
كيف امتنع يوسف؟
تقول لنفسها.. كان عفيفا.. كان محسنا.. فائضا في الرجولة والعفة..
ولكن كيف يمتنع الإنسان في وجود الحب؟
امتناعه يشكك في الحب نفسه..
يوسف لم يحب.. يوسف قاوم امرأة قبيحة، ملكا لغيره ،لربما كانت ثقيلة الدم، مثيرة للشفقة لا للدماء..
ولكن كيف نقاوم في وجود الحب؟
الزواج.. مقبرة جماعية للبشر.. يدفنون فيها قلوبهم أملا في الحصول علي معاني أكثر احتراما من ذل الحب .. ما يجدون أنفسهم بعد مرور السنين غير زاحفين في محراب الحب كالمجاذيب.. أشعر بالكآبة مع كل القصص التي اسمعها.. أقول لنفسي وكيف قلبُك؟ اسأله فيقول: يعشقه..
تقول له متى بكيت؟
يقول بهدوء لم ابك منذ اربعين سنة.
حتي في غيابي؟ - تقول هامسة- يجيب: حتى في غيابك.. حزني كان أعمق من البكاء..
اذن صمتك هو حمل ثقيل من الحزن غير المباح به!
ربما.. يجيب تاركا الباب مواربا لخيالها
كانت تتمنى ان يرتمي باكيا.. تحب هي الدراما في الحب.. من كتب هذه المشاهد في خيالنا؟ أناس فعلوا هذا الحب أم أناس تمنوه؟
يبقي في الذاكرة هذا الحب الذي تحدث لغة قلوبنا دون أي محاولة منا لتغييره.. هذا هو الحب الذي نندم عليه حين نشيب.. ونحن ننصح أحفادنا بلسان ثقيل وعيون مكرمشة وأسنان تتحرك: لا تترك حبك يامغفل!
حياتي كلها تلخصت في مشهدين لا انساهم.. رغم كل ما عشت من حروب وصراخ وموتى وسجن وكيد وفراق..
مشهدين لقلبي غضاً.. مشهدين خفق فيهما خفقة انا وحدي من أعرفها وأذكرها، لم يسمعها غيري، ولا يذكرها غيري ولن يذكرها غيري!